(وَمَا سَوَّاهَا): وهو الله، فقد خلقها -سبحانه- فأَحسن خلقها وصورها فأَبدع تصويرها، وذلك على نظام تام عجيب؛ لتؤدي رسالتها في الحياة على أَكمل وجه. وقيل: وتسويتها وخلقها وتركيبها على صورة كريمة مع إِحكام وإِبداع.
٨ - (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا):
أَي: إِنه -سبحانه- عرف كل نفس وأَرشدها إِلى سبيل الخير والتقوى ودعاها إِليه، كما بين لها طريق الشر والفجور، ونهاها عن السير فيه واتباعه، وكان من دعاءِ رسول الله ﷺ "اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أَنت خير من زكَّاها" كما رواه مسلم.
وذكر ابن كثير أَن هناك روايات فيها مقال أَنه كان يقول ذلك عندما يقرأُ الآية.
٩، ١٠ - (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا):
هذا جواب القسم (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) وما عطف عليه، بمعنى: لقد أَفلح، وحذفت منه اللام لطول الكلام المقتضي للتخفيف، وقيل: الجواب تقديره: لتبعثن، وقال الزمخشري: تقديره: ليُدَمْدِمَنَّ الله عليهم -أَي: على أَهل مكة- لتكذبيهم رسول الله ﷺ كما دمدم على ثمود لأَنَّهم كذبوا صالحًا، وأَما (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) فكلام تابع لقوله: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) جاءَ على سبيل الاستطراد، أَي: قد فاز ونجا من طهر نفسه من الذنوب بتباعده عنها فلم يقارفها، أَو طهرها ونقَّاها منها بالتوبة النصوح والاستغفار، وذلك بعد الوقوع فيها أَو نَمَّاها وزاد في منزلتها رفعة وسموًّا، فمصطنع المعروف والمبادر إِلى أَعمال البر شهر نفسه ورفعها وأَعلى ذكرها، وقد خسر وهلك من غمس نفسه في الذنوب وأَحاطها بالمعاصي وأَخفاها في الدناءَات والفسوق، فانحطَّ بها إِلى درك الرذيلة ومهاوي الكفر فالفاسق الفاجر دائمًا يكون قليل المروءَة، هابط الهمة، ذليل النفس، ناكسَ الرأْسِ، خاملًا متروكًا منسيًّا، وذلك بفعله السوءَ والفحشاء.
وقيل: قد أَفلحت نفس زكَّاها الله، وقد خسرت نفس أَضلها الله، والأَول هو المتبادر، لقوله تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى" (١)