١٦ - (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى):
أَي: الذي كذب بالحق وكفر بوحدانية الله فاعتقد له الشريك، أَو جحده وأَنكره كما كذب برسله - عليهم الصلاة والسلام - وأَعرض وأَدبر عن طاعة الله وتجنبها.
هذا، وقد يبدو أَن غير الأَشقى كالعصاة والفساق لا يعذبون في النار، والأَمر ليس كذلك إِذ الصلى في اللغة: أَن يحفروا حفيرة فيجمعوا فيها جمرًا كثيرًا ثم يعمدوا إِلى شاة فيدسوها وسطه بين أَطباقه، فالمعنى -إِذن-: لا يعذب بين أَطباق النار ولا يقاسي حرها على وجه الأَشدّية إِلاَّ الأَشقى، أَما العاصي والفاسق فلا يعذب بين أَطباقها ولا يقاسي حرها على هذه الصورة، ولا يلزم منه أَنه لا يدخلها ولا يعذب بها أَصلًا، بل يجوز أَن يدخلها ويعذب بها على وجهها في الطبقة الأُولى عذابًا دون ذلك العذاب، حتى إِن بعض العصاة من تبلغ النار إِلى كعبة، وأَشد العصاة من تبلغ وتصل إِلى موضع سجوده فيحسه، ولا يعذب أَحد من المؤمنين بين أَطباقها البتَّة بوعد الله تعالى.
١٧ - (وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى):
أَي: وسيكون الأَكثر تقى المبالغ في اتقاءِ الكفر والمعاصي -سيكون- في جانب، وتكون النار في جانب آخر، فلا يحوم حولها بل يمر بها ويطَّلع عليها دون أَن يؤلم بمسها، ويُصَاُر به إِلى الجنة، وإِنما أَطلعه الله عليها إِظهارًا لإِكرامه له بإِنجائه من عذابها وجعله في دار كرامته، قال تعالى: "وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا" (١).
١٨ - (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى):
هذا بيان للصفات التي يتحلى بها الأتقى، والتي اقتضت أَن يجنب النار، أَي: هو الذي يعطي ماله ويصرفه ابتغاءَ تزكية نفسه وتطهيرها من الذنوب أَو هو الذي يرغب ويطلب من ربه أَن يكون زاكيًا ناميًا في الخير، مسارعًا ومسابقًا فيه، لا يزيد بعمله هذا رياءً ولا سمعة، إِنه سيكون بعيدًا عن هذه النار.

(١) سورة مريم الآيتان: ٧١، ٧٢.


الصفحة التالية
Icon