ويجوز أَن يكون الأَمين بمعنى المأْمون، لأَنه مأْمون الغوائل فلا يصيب داخله أَي ضر ولا يقع عليه أَي اعتداءِ على نفسه أَو ماله كما قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ" (١).
ونسبه الأَمين بمعنى الأمانة أو بمعنى المأْمون الغوائل إِلى البلد مجازية، والإِتيان باسم الإِشارة للتعظيم.
والغرض من القسم بهذه الأَشياءِ الإِبانة عن شرف البقاع المباركة دينيا ودنيويًا، وعما ظهر فيها من خير وبركة ببعثة الأَنبياء والمرسلين.
وقال ابن كثير: ذهب بعض الأَئمة إِلى أَن هذه محال ثلاثة بعث الله في كل منها نبيًا مرسلا من أُولي العزم أَصحاب الشرائع الكبار، فالأَول محلة التين والزيتون وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى - عليه السلام - والثاني طور سنين وهو طور سيناءَ الذي كلم الله منه موسى بن عمران، والثالث مكة وهو البلد الأَمين الذي من دخله كان آمنًا وهو أَثر إِبراهيم عليه السلام -أَرسل فيه محمدًا ﷺ وقد ذكر في آخر التوراة هذه الأماكن الثلاثة. قالوا: "جاءَ الله من طور سيناءَ، يعني الجبل الذي كلم الله عليه موسى، وأَشرق من ساعير. يعني جبل بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى، واستعلن من جبال فاران، يعني جبال مكة التي أَرسل الله منها محمدًا صلى الله عليه وسلم" أهـ. ابن كثير.
٤ - (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ):
جواب القسم، أَي: لَقد خلقنا جنس الإِنسان -وهو شامل للمؤمن والكافر- في أَحسن ما يكون من التعديل والتقويم صورة ومعنى، حيث بَرَأَهُ -سبحانه- مستوى القامة، متناسب الأَعضاءِ حسن الصورة. قوي الإِحساس، سليم العقل، متصفًا بالحياة والعلم، والسمع البصر، والإِرادة والتكلم، وغير ذلك من الصفات والعجائب التي أَودعت فيه.
ويكفي في هذا الباب -وهو القول الفصل- أَن الله خلق آدم بيديه، ، وأَمر -سبحانه- ملائكته - عليهم السلام - بالسجود له وهم المكرمون لديه.