ولا خلاف بين المفسرين كما قال ابن عطية في أَن المصلي هو رسول الله ﷺ والناهي هو أَبو جهل.
والإِتيان بلفظ (العبد) منكرًا لتفخيمه -عليه الصلاة والسلام- واستعظام النهي، وتأكيد التعجيب منه، وكلمة (أَرأَيت) صارت تستعمل في معنى (أَخبروني) على أَنها لا يقصد بها في مثل هذه الآية الاستخبار الحقيقي، ولكن يقصد بها إنكار الحالة المستخبر عنها وتقبيحها.
ولَمَّا كانت الرؤية سببًا للإِخبار عن المرئي، أَجري الاستفهام عنها مجرى الاستخبار.
١١ - ١٤ - (أَرأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى* أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى* أَرأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى* أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى):
أَي: أَخبرني يا من له أَدنى تمييز عن هذا الذي ينهى بعض عباد الله فضلًا عن النبي المجتبي، ينهاه عن الصلاة، إِن كان على طريقة سوية فيما ينهي عنه من عبادة الله تعالى: (أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى) أَو كان آمرًا بالمعروف والتقوى فيما يدعو إِليه من عبادة الأَصنام كما يزعم، أَو كان على التكذيب للحق، والتولي عن الدين الصحيح.
(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) أَي: أَلم يعلم هذا الطاغي الفاجر بأَنَّ الله يراه؟! أَي: يطلع على أَحواله من هداه وضلاله، فيجازيه على حسب ذلك، أَلم يعلم ذلك حتى اجترأَ على ما فعل من إِفك وطغيان، وهذا وعيد له، وتهديد على ما وقع منه.
وقيل المعنى: أَخبرني إِن كان هذا العبد المصلي وهو النبي ﷺ الذي تنهاه عن الصلاة صالحًا مهتديًا في قوله وفعله (أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى) أَي: أَو كان آمرًا بالإِخلاص والتوحيد، داعيًا إِلى الهدى والرشاد، كيف تزجره وتنهاه، فما أَبلهك أَيها الغبي الذي تنهى مَنْ هذه أَوصافه عن الصلاة، ثم عاد الخطاب إِلى رسول الله ﷺ فقال: "أَرأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى" أَي: أَخبرني يا محمد إِن كذب بالقرآن، وأَعرض عن الإِيمان.
(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) أَي: أَلم يعلم ذلك الشقي أَن الله مطلع على أَحواله، مراقب لأَفعاله، وسيجازيه -سبحانه- عليها يوم الدين، ويله ما أَجهله وأَغباه.