(فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) أَي: وفي تلك الصحف أَحكام مكتوبة لا عوج فيها تبين الحق من الباطل وقيل: المراد بالكتب التي فيها، هي كُتُب الأَنبياء السابقين، لأَن القرآن مصدق لها. فكأَنَّها فيه لا سيما وأَنه قد جمع ثمرتها.
٤ - (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ):
هذا ظاهر في أن كفرهم قد زاد، فمنهم من أَنكر نبوته ﷺ ظلمًا وحسدًا، ومنهم من آمن وأَطاع. قال جار الله: كان الكفار من الفريقين يقولون قبل البعث: لا ننفك عما نحن فيه من ديننا حتى يبعث الله النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإِنجيل وهو محمد ﷺ أي: إِنهم كانوا يعدون باتفاق الكلمة، والاجتماع على الحق إِذا جاءَهم ﷺ ثم ما فرقهم عن الحق، وأَقر بعضهم على الكفر إلا مجيؤه، والآية كلام مسوق لمزيد التشنيع على أَهل الكتاب خاصة، وتغليظ جناياتهم ببيان أَن ما نسب إِليهم من الانفكاك لم يكن لاشتباه ما في الأَمر، بل كان بعد وضوح الحق، وانقطاع الأَعذار بالكلية، وهو السر في وصفهم بإِيتاءِ الكتاب المنبِئ عن كمال تمكنهم منه بمطالعته والإِحاطة بكل ما فيه من الأَحكام والأَخبار التي من جملتها نعوت النبي ﷺ وذلك كقوله تعالى: "وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ" (١).
وإِنما أَفرد هنا أَهل الكتاب، بعد ما جمع بينهم وبين المشركين أَولا، وإِن كان التفرق من الفريقين، لأَن أَهل الكتاب كانوا على علم بأَمر بعثة الرسول ﷺ لوجوده في كتبهم فإِذا وصف بالتفرق من له كتاب كان من لا كتاب له أَدخل في الوصف بذلك وقد اختلف أَهل الكتاب اختلافًا كثيرًا، كما جاءَ في الحديث المروي من طرق عن أَبي داود وابن ماجه ومسند أَحمد عن أَبي هريرة الذي يقول فيه: "إِنِّ الْيَهُودَ اخْتَلَفُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَإِنَّ النَصَارَى اخْتَلَفُوا عَلى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً" إِلى آخر الحديث.