أَفعاله المذكورة (فِي الْحُطَمَةِ) أَي: النار التي من شأْنِهَا أَن تحطم كل ما يُلْقَى فيها -والحطْم: كسر الشيءِ كالهشم، ثم استعمل لكل كسر مُتَنَاهٍ.
وقيل: الحطمة باب من أَبواب جهنم، أَو طبقة من طبقاتها، وقيل غير ذلك، ثم أَخذ - عز وعلا - يهول أَمر هذه النار ويعظم شأْنها قال:
٥ - (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ):
أَي: وأَي شيءٍ أَعلمك وعرَّفك ما حقيقة هذه النار الحطمة؟! إِن هذه الحطمة، ما لا تحيط بها معرفتك، ولا يقف على حقيقتها عقلك، فلا يعلم شأْنها، ولا يقف على كنهها إِلَّا من أَعدها لمن يستحقها، فهي من الأُمور التي لا تنالها عقول الخلق، ثم فسر هذه الحطمة بعد إِبهامها فقال:
٦ - (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ):
أَي: هي نار الله المسعرة الموقدة دائمًا بأَمر الله عز وجل وفي إِضافتها إِليه سبحانه ووصفها بالإِيقاد من تهويل أَمرها ما لا مزيد عليه، ثم وصفها بأَوصاف تخالف ميزان الدنيا ليؤكد مخالفتها لها فقال:
٧ - (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ):
أَي: تعلو هذه النار أَوساط القلوب وتغشاها وتقهرها وتتسلط عليها وتتمكن منها، وتخصيص الأَفئدة بالذكر لأَن الفؤاد ألطف ما في الجسد وأَشد تأَلمًا بأَذى يمسه، أَو لأَنه محل العقائد الفاسدة والنيات الخبيثة، فهو أَنسب بما تقدم من ألوان العذاب من جميع أَجزاء الجسم، أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب أنه قال في الآية: تأْكل النار كلَّ شيءٍ منه حتى تنتهي إلى فؤاده، فإِذا بلغت فؤاده أَي: ابتدأَ خلقه: (أَي: من جديد) ويجوز أن يراد بالاطلاع العلم، وكأن هذه النار تعلم وتعرف وتدرك في ما أَفئدة الناس يوم البعث؛ فتميز الطائع عن العاصي والخبيث من الطيب وتُفَرِّق بين مَنْ ارتكبوا السيئات، ومن فعلوا الصالحات، وفي وصفها بالاطلاع على الأَفئدة التي أَودعت في باطن الإِنسان، وفي أَخفى مكان منه؛ إِشارة إِلى أَنها إلى غيره أَشد وصولًا وأَكثر تغلبًا.