٣ - (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ):
أَي: وسلط الله عليهم من جنوده فِرَقًا من الطير، أتتهم جماعات مسرعة متتابعة، وأَحاطت بهم من كل جهة، وجاءَت هذه الطير -على ما روي عن جمع- من جهة البحر، وعن عكرمة: كأَن وجوهها مثل وجوه السباع، لم تُر قبل ذلك ولا بعده.
٤ - (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ):
صفة أُخرى كقوله: (طيرًا) وعبر بالمضارع في (تَرْمِيهِمْ) لحكاية الحال، واستحضار تلك الصورة الغربية.
والمعنى: تقذفهم بحجارة من سجيل، أَي: من طين مطبوخ متحجر، وقيل: هو عربي من السِّجل بالكسر وهو الدلو الكبيرة ومعنى كون الحجارة من الدلو: أنها متتابعة كثيرة كالماءَ الذي يصب من الدلو، وقيل: من الإسْجال، بمعنى الإرسال، وقيل: من سجين، أي: من جهنم (آلوسي وكشاف بتصرف) وقيل: هو لبس بعربي بل هو منقول من غير العربية، واختلف في حجم تلك الطير، وكذلك في حجم تلك الحجارة، روي أن الطير في الجسم كالخطاطيف، والحجارة منها ما هو كالمحصة، أَو أَصغر أَو أَكبر.
قال الشيخ محمد عبده - رحمة الله -: فهذا الطاغية الذي أراد أن يهدم البيت أرسل الله عليه ما يوصل إليه مادة الجدري أَو الحصبة، فأَهلكته وأَهلكت قومه قبل أن يدخل مكة، وهي نعمة من الله غمر بها أَهل حرمه مع وثنيتهم حفظًا لبيته؛ حتى يرسل إليه رسوله الذي يحميه بقوة دينه، وهي نقمة من الله حلت بأعدائه أَصحاب الفيل الذين أرادوا الاعتداء على البيت.
٥ - (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ):
أَي: فجعلهم كورق زرع أَصابته آفة فأَتلفته، وذهب غير واحد إلى أن المعنى: فجعلهم كَتِبْن أَكلته الدواب وراثته، والمراد: كَرَوْثٍ إلَّا أنه لم يذكره بهذا اللفظ لهجنته، فجاءَ على نظام الآداب القرآنية، فشبه تَقَطُّعَ أَوصالهم بتفرَق أَجزاءِ الرَّوْث، ففيه إظهار تشويه حالهم؛ حيث جعلهم مبتذلين ضائعين، لا حافظ لهم، ولا يلتفت إِليهم أَحد، ولا يدفنهم.


الصفحة التالية
Icon