والذي عليه الجمهور: أنه لا تكرار فيه، ولكنهم اختلفوا في بيان ذلك وتوجيهه، فقال الزمخشري: (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) أُريد بالنفي في الآيتين النفي في المستقبل، فمعنى (لا أَعْبُدُ): نفى العبادة في المستقبل، لأن (لا) لا تدخل إلَّا على مضارع في معنى الاستقبال، والمعنى: لا أَعبد في المستقبل ما تطلبونه منى من عبادة آلهتكم، ولا أنتم فاعلون فيه، أي: في المستقبل ما أطلب منكم من عباده إلهي.
فمعنى (وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ) أي: وما كنت عابدًا فيما سلف ما بعدتم فيه، يعني لم تعْهَد منى عباده صنم في الجاهلية، فكيف تُرجَى منى في الإسلام.
٦ - (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ):
أي: وما عبدتم في وقت مضى ما أَنا على عبادته، فالآيتان الأخيرتان للنفي في الماضي، ولقد ذكر الآلوسي آراءً كثيرة في هذا الموضوع فليرجع إليه من أراد.
٧ - (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ):
(لَكُمْ دِينُكُمْ) هو من عند الأكثرين تقرير لقوله تعالى: (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)، وقوله تعالى: (وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ) كما أن قوله تعالى: (وَلِيَ دِينِ) عندهم تقرير لقوله تعالى: (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ).
ومعنى (لَكُمْ دِينُكُمْ): إن دينكم -وهو الإشراك- مقصور على الحصول لكم لا يتجاوزه إلى الحصول إلىّ كما تطمعون في، فلا تعلقوا به آمالكم الكاذبة.
ومعنى (وَلِيَ دِينِ): إن ديني الذي هو التوحيد مقصور على الحصول إليّ، لا تجاوزه إلى الحصول لكم أيضًا، لأن الله قد ختم على قلوبكم لسواء استعدادكم، أو لأنكم علقتموها بالمحال الذي هو عبادتى لآهلكتكم، أَو استلامى لهم، ويجوز أن يكون هذا تقريرا لقوله: (وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ) وقيل: المراد به المتاركة، أَي: لكم دينكم -وهو كفركم وشرككم- ولى ديني، أي: لي توحيدي -على معنى أنى نبي مبعوث لكم لأَدعوكم إلى لحق والنجاة، فإذا لم تقبلوا منى ولم تتبعونى فدعونى ولا تدعونى إلى الشرك وإليه ذهب الزمخشري (انظر الكشاف).