وأَخرج العوفي عنه أَنه فسره بالصبح، وعليه فتعليق العياذ باسم الرب المضاف إِلى الفلق المنبئ عن النور عقيب الظلمة، والسعة بعد الضيق هو عدةٌ كريمة بإِعاذة العائذ ممَّا يتعوذ، وإِنجائه منه، وتقوية لرجائه بذكر بعض نظائره، ومزيد ترغيب له في الجد والاعتناءِ بقرع باب الالتجاءِ إِليه عز وجل.
وقيل: إِن تخصيص الفلق بالذكر لأَنه أُنموذج من يوم القيامة، لأَن من الناس من يغدو فيلقى وينال خيرًا، ومنهم من يجد ما يضره ويكرهه.
وفي رواية عن ابن عباس وجماعة مِن الصحابة والتابعين أَن الفلق: جُبٌّ في جهنم، أَو وادٍ فيها.
٢ - (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ):
أَي: من شر الذي خلقه من الثقلين وغيرهما، وقال بعض الأَفاضل، هو عام لكل شر في الدنيا والآخرة، وشر الإِنس والجن والشياطين، وشر السباع والهوام، وشر النار، وشر الذنوب والهوس، وشر النفس، وشر العمل.
٣ - (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ):
في هذا تخصيص لبعض الشرور بالذكر مع اندراجه فيما قبل، لزيادة مساس الحاجة إِلى الاستعاذة منه؛ لكثرة وقوعه، ولأَن تعيين المستعاذ منه أَدل على الاعتناءِ بالاستعاذة، والغاسق إِذا وقب، أَي: الليل إِذا اعتكر سواده وعم ظلامُه كُلّ شيءٍ، من قوله تعالى: "إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ" (١)، والتقييد بهذا الوقت لأَن حدوث الشرفية أَكثر، والتحرز منه أَصعب وأَعسر، ومن أَمثالهم (الليل أَخفى للويل) وقولهم: أَغدر من ليل، إِذ أَنه ستار يختفي في ظلامه المجرمون والعابثون بالأَمن، وهو عَوْنٌ لأَعدائك عليك، وتفسير الغاسق إذا وقب ذكر هو المأْثور عن ابن عباس ومجاهد، وقيل معناه: القمر إِذا امتلأَ نورًا، على أَن الغسق: الامتلاءُ، وَوُقُوبُه: دخْوُلُه في الكسوف واسوداده، أَو دخوله في المحاق
(١) سورة الإِسراء: من الآية ٧٨.