وأَما الإِماءُ الكتابيات: فهن كالمسلمات عند أَبي حنيفة.
وفهم أَبو عبيد من تفسير مجاهد للمحصنات بالحرائر أَنه لا يذهب إِلى حِل نكاح إِماءِ أَهل الكتاب لقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) (١).
قال القرطبي: وهذا القول الذي عليه جلةُ العلماءِ. أهـ. من الآلوسي والقرطبي.
(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ):
وكذلك أُحِلَّ لكم تزوجُ الحرائِر العفيفاتِ من الكتابيات، مثل العفيفات من المؤمنات.
وهذا من سماحة الإِسلام وعدالته في معاملة أَهل الكتاب.
(إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ):
أَي أعطيتموهن مهورهن. وقيد حلّ المحصناتِ من المؤْمنات ومن أَهل الكتاب بإِتيانهن لتأْكيد وجوبها، لا لتوقف الحِلّ على إِتيانها، فإِن الزواج يحل بالصداق المؤجل، كما يحل إِذا تم بدون مهر، فإِنه ليس من أَركان العقد، ولا من شروط صحته. ولكنه يتقرر فيه - أَي في العقد بغير ذكر المهر - مهر المثل بالوطء؛ لأَن الوطءَ لا يباح بمجرد الإباحة، بل لا بد من العقد؛ لما فيه من حق الله تعالى.
وسمى اللهُ المهور أُجورًا؛ لأَنها عوض عن الاستمتاع بهن، كما قاله ابن عباس وغيره.
وتسمى صداقا؛ لأَنها مشعرة بصدق رغبة باذليها في الزواج، وقد فرضت لذلك إِعزازا للمرأَة وتكريما لها.
وقد أَوجب الله أَن يكون الغرض من الزواج، الإِحصانَ والعفة، فقال تعالى:
(مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ):
أَي: أَعفَّاءَ غير مجاهرين بالزنى، ولا مُسِرِّين به، مع الخليلات والصديقات.
وكما أَن هذا هو المطلوب بالنسبة لزواج الرجل، فهو مطلوب بالنسبة لزواج المرأَة.