لما بينت الآيات السابقة، وما يجب على الأولياء من المحافظة على أموال اليتامى، وأمرهم بالزواج من غير اليتيمان، عند خوف عدم العدل معهن، مع بيان وجوب المهر للزوجة، رجع السياق - في هذه الآية - إلى بيان ما بقي من الأحكام المتعلقة باليتامى. وبيانها ما يلي:
﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾: أي ولا تعطوا - أيها الأولياء - اليتامى أموالهم التي تحت أيديكم؛ لأنهم لا يحسنوا التصرف فيها، ولا القيام على حفظها واستثمارها.
وقد جعل الله تلك الأموال، قيامًا لليتامى: منها يتعيشون، وعليها يعتمدون فيما يحتاجون إليه في معاشهم وحياتهم.
وإنما أُضيفت الأموال إلى الأولياء مبالغة في حملهم على المحافظة عليا، حيث نَزَّلَ أموال اليتامى منزلة أموال الأولياء، لأنهم متحدون في الجنس والنسب غالبًا. وذلك نظير قوله تعالى في هذه السورة ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ (١): أي لا يقتل بعضكم بعضا. فعبر عن النوع بالنفس؛ مبالغة في الزجر عن القتل. كأنَّ من قتل غيره، فلقد قتل نفسه.
وقد ذهب إلى تفسير الآية بما ذكر: عكرمة، وابن جبير، وكثير من المفسرين.
هذا وفي الآية دلالة قوية على النهي عن إضاعة المال، والأمر بالمحافظة عليه، والعمل على حسن التصرف فيه، والتدبير له، لأن الله تعالى - قد جعله سببًا في إصلاح المعاش، وانتظام الأمور.
﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾: أي اجعلوا الأموال مكانًا لرزقهم وكسوتهم. وذلك بالاتجار فيها واستثمارها، فتكون نفقاتهم من غلتها وربحها، لا من أصل المال. وإلا أكله الإنفاق، وهذا هو سر التعبير بقوله: ﴿فِيهاَ﴾. ولم يقل: منها.
وقد روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ألَا مَنْ وَلِيَ يتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِر فِيهِ، ولا يَتْرُكُهُ حَتَّى تَأكُلَهُ الصَّدَقَةُ".