وعن عمر، أنه قال: أنْزَلْتُ نفسي من هذا المال بمنزلة وليِّ اليتيم: إن استغنيت استعففت، وإن احتجت استقرضت، فإذا أيسرت قضيت (١).
وقد ذهب جماعة إلى أنه ليس للولي أن ينتفع من مال اليتيم بشيء. وأن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ (٢)، وقد أنكر أبو بكر بن العربي القول بالنسخ، لان الله تعالى يقول: ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾ فكيف ينسخ الظلم المعروف؟.
والحق من هذه الآراء: أن للولي الفقير، أن يأخذ من مال اليتيم، ما يفي بحاجته، من غير إسراف ولا تبذير، وليس عليه ردُّ ما أخذه؛ لأنَّ ما أخذه نظير نظره ورعايته المال.. وأما الغني، فلا ينبغي أن يأْخذ من مال اليتيم شيئًا؛ لأن الله تعالى، أمره بالعفة، والكف عنه.
﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾: أي فإذا أديتم - أيها الأولياء - أموال اليتامى إليهم فأحضروا شهودا عليهم، بأنهم تسلموها، وأبرئوا ذمتكم منها، كيلا يكون بينكم وبينهم نزاع؛ لأن الإشهاد أبعد عن التهمة، وأنفى للريبة والخصومة، وأدخَلُ في الأمانة.
﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾: أي وكفى الله محاسبا وشهيدا ورقيبا على الأولياء، في حال تسليمهم الأموال لليتامى، هل هي كاملة، أو منقوصة؟.
وفي هذه الجملة، تحذير للمسلمين، من أخذ شيء من أموالى اليتامى - وأن الإشهاد - وإن أسقط الدعوى في الدنيا أمام القضاء - فهو لا يحل ما أخذه الولي من مال اليتيم، عند الله في الآخرة، فإذا كان الولي خائنا، فإن الله سيحاسبه؛ لأنه لا تخفى عليه خافية.

(١) نقلًا عن ابن كثير يرويه عن ابن أبي الدنيا.
(٢) سورة النساء الآية: ١٠.


الصفحة التالية
Icon