ثم يتوبون إلى الله من ذنوبهم - توبة صادقة، ويستيقظون من غفلتهم - في وقت قريب، قبل أن تبلغ الروح الحلقوم، وتظهر أسباب الموت وأماراته.
﴿فَأُولَئِكَ﴾: التائبون قبل فوات الأوان ﴿يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾: أي يقبل توبتهم تفضلًا منه، تحقيقًا لوعده الذي لا يتخلف.
﴿وَكَانَ اللَّهُ﴾: ولا يزال ﴿عَلِيمًا﴾: يحيط علمه بكل شيء. فيعلم الصادق في توبته وغيره ﴿حَكِيمًا﴾: عظيم الحكمة في التدبير كل الأمور، وتصريف جميع الشئون ومن حكمته: أن فتح باب التوبة أمام العصاة جميعًا؛ حسمًا لمادة الفساد.
وقد اتفقت الأمة، على أن التوبة من الذنب، واجبة على المؤمنين. لقوله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (١).
﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ﴾: صحيحة ولا مقبولة ﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾: ويستمرون عليها. ﴿حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾: فإن توبة هؤلاء لا يقبلها الله تعالى؛ لأنها جاءت في وقت اليأس من الحياة.
أما التوبة المقبولة، فهي التي تكون في وقت الأمل في الحياة، مع الرغبة في إصلاح الحال بعدها.
﴿وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾: أي وليست التوبة أيضًا للذين يقربون من الموت وهم كفار. فيقولوا آمنا في وقت الغرغرة، فإنها توبة مردودة على صاحبها. كما رد الله توبة فرعون لما أدركه الغرق.
﴿أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾: أي أولئك جميعًا هيأنا لهم عذابًا عظيمًا شديد الإيلام، يتفاوتون في تفاوتهم في الكفر والمعاصي.