وهذا كلام يحتمل وجهين: الشر والخير... وذلك بحمله على معنى: اسمع لا سمعت... ويكون دعاء عليه بالصمم أَو الموت. أَو هو على معنى: اسم لا سمعت مكروها. وهذا - وإن كان ظاهره الدعاءَ له - إلا أَنه في حقيقة باطنهم استهزاءٌ منهم واستهتار برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك كانوا يقولون أَيضًا: ﴿رَاعِنَا﴾ وهي كلمة ذات وجهين: تحتمل الخير على معنى: انظرنا وتمهل علينا نكلمك. وتحتمل الشر على معنى: أَنها رمي له بالرعونة والحمق.
فكانوا يظهرون التوقير والاحترام، ويضمرون الإِهانة والاستهزاءَ.
﴿لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾:
أي صرفًا للكلام عن ظاهره، إِلى إرادة الشتم والسب، وقدحًا في الدين. بالاستهزاء والسخرية.
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ﴾:
هذا بيان لما كان ينبغي عليهم أن يقولوه. أي ولو أنهم - عندما سمعوا شيئًا من أَوامر الله ونواهيه - قالوا مخلصين: سمعنا وأطعنا، بدل قولهم: سمعنا وعصينا. وقالوا أيضًا: اسمع وانظرنا، بدلا من قولهم: اسمع غير مُسْمَعٍ وراعنا - لكان خيرًا لهم مما قالوه. وأعدلَ وأصْوَبَ.
﴿وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾:
أي ولكنهم لم يقولوا ذلك. واستمروا على الكفر والضلال. فأبعدهم الله - بسبب كفرهم - عن الهدى. فهم لا يصدقون إلا تصديقًا قليلًا. لا ينتفع به إلا عدد قليل منهم. مثل من آمن من أحبارهم.