أَي أَوجبها على نفسه، كَرَمًا منه وفضلًا. وقد شمِلَ برحمته في الدنيا المؤْمنَ والكافر، والْبَرَّ والفاجر. فلا تغترُّوا أَيها الكفار بما تنالون في الدنيا من رحمته. واعملوا ليومٍ يجمعكم فيه للحساب والجزاء. كما قال سبحانه:
﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾:
يؤكد الله تعالى في هذه الجملة: أَنه سَيُحْيِى الناسَ ويَبْعثُهم في يوم القيامة؛ الذي لا ينبغي أن يرتاب فيه عاقل.
ولا ريب أَن تهديد الناس بهذا اليوم العصيب، يعتبر من رحمة الله بالناس. إذ لولا الخوف من عذاب الله يوم القيامة، لَعَمَّ الفسادُ في الأَرض. واختلت نُظمُ الاجتماع، وأَكَلَ القوىُّ الضعيف؛ - ولا وازع ولا زاجر - فصار من رحمة الله التهديد بهذا الجمع، لأَجل الحساب والجزاء. كما أَنه حافز للمؤمنين على زيادة الطاعة، رغبة في حسن الجزاءِ.
﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾:
أَي الذين خسروا أنفسهم بإِهدار قواهم العقلية، وتعطيلها عن النظر في آيات الله، فهؤلاءَ، لا يؤْمنون بما دعوتهم إليه، من توحيد الله، والإيمان بيوم البعث والنشور.
﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾:
هذا معطوف على ما قبله. أَي لله ما في السموات وما في الأَرض، ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ في الليْلِ والنَّهَارِ﴾: أَي مَا اشتمل عليه الليلُ والنهارُ من موجودات. فكل ما طلع عليه النهار وغشيه الليل والظلام، هو في ملك الله وحده. وهو السميع لكل ما من شأنه أَن يُسمَع، العليم بكل ما من شأْنه أَن يُعلَم. سبحانه!! يعلم دبيبَ النملة في الليلة الظَّلْماء ﴿يَعْلَمُ خَاَئِنَة الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ (١)، ﴿... يَعْلَمُ مَا بيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُون بِشَىْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء... ﴾ (٢).

(١) غافر، الآية: ١٩
(٢) البقرة، من الآية: ٢٥٥


الصفحة التالية
Icon