مشركين... ليفروا بذلك من الموقف الرهيب: تَوهُّمًا منهم، أَن ذلك يُفْلِتُهُم؛ ولا سيما أَنهم رأَوا سعة رحمة الله، وشفاعة رسولِ الله - ﷺ - للمؤمنين.
قال ابن عباس: يغفر الله تعالى لأَهل الإِخلاص ذنوبهم. ولا يتعاظم عليه ذنب أَن يغفره. فإِذا رأَى المشركون ذلك، قالوا: إن ربَّنا يغفر الذنوب. ولا يغفر الشرك. فتعالَوْا نَقُل: إِنا كنا أهل ذنوب ولم نكن مشركين، فقال الله تعالى: أمَا إذ كتموا الشرك - فاختِمُوا على أفواههم فيختم على أفواههم. فتنطق أَيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون فعند ذلك، يَعْرِف المشركون: أَن اللهَ لا يُكْتَمُ حديثا. فذلك قوله: ﴿... وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ (١).
قال أَبو إسحاق الزجاج: تأْويل هذه الآية لطيف جدا. وذلك أَنه تعالى، بَيَّنَ كَوْنَ المشركين مفتونين بشركهم، متهالكين في حبه. فذكَر أَن عاقبة كفرهم الذي لزموه أَعمارهم وقاتلوا عليه، وافتخروا به وقالوا: إِنه دين آبائنا، لم يكن حين رأَوا الحقائق - إلا أَن تبَرَّأوا من الشِّرْكِ، وأَقسموا على عدم التدين به.
ونظير هذا في اللغة: أَن ترى إِنسانا يحب شخصا مذموم الطريقة. فإذا وقع في محنة بسببه تَبرَّأَ منه. فيقال له: ما كانت عاقبة محبتك لفلان: إِلا أَن تبرَّأْتَ منه وتركته.
٢٤ - ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ... ﴾ الآية.
هذا تعجيب من قولهم المفضوح، وكذبهم الصريح، بنفي أنهم أَشركوا في الدنيا على حين أَن حقيقة إِشراكهم معروفة لربهم. وإِن كذبوا على أَنفسهم بنفيها.
﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾:
وغاب عنهم ما كانوا يختلقونه من أُلوهية أَصنامهم، وشفاعتها لهم. فلم يكن لذلك اعتبار في نفوسهم، حين أَقسموا متبرئين من شركهم.

(١) النساء، من الآية: ٤٢


الصفحة التالية
Icon