﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ﴾:
أي ولو ترى - أَيها التأَمل - هؤُلاءِ المعاندين المكذبين - وقد حبسوا على ما يكون من قضاء ربهم فيهم - لَهَاَلكَ أَمرُهم، ولرأَيت ما لا يحيط به نطاق الكلام. وجعلهم موقوفين على ربهم؛ لأَن من تَقِفُهم الملائكه وتحبسهم في موقف الحساب، امتثالا لأَمر الله فيهم كما قال: "وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ" (١) يكون أَمرهم مقصورا على الله حيث لا سلطان فيه لغيره عَزَّ وَجَلَّ ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ (٢). فهم وقد انتهى بهم المطاف إلى ما لا يحيط به الوصف لن يقتصر أَمرهم على ما هم فيه من بلاءٍ وعناءٍ بل يُسأَلون سؤَال تأَنيب وتبكيت.
﴿عَلَى رَبَّهِمْ﴾: (عَلَى) هنا؛ بتقدير مضاف، أَي وقفوا على تعذيب ربهم، وما أَعدَّ لهم. ﴿قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾: القائل هو الله تعالى أَي أَليس هذا الجزاءُ - وما أَنتم فيه - هو الحق الذي كنتم به تُكَذِّبون؟
وفي حسره أَليمة وندم شديد:
﴿قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا﴾:
أَي قالوا: أَي ما نحن فيه من الشدائد والأَهوال، حق نستحقه، ولا شك فيه.
وهكذا كان جوابهم... اعترافًا مؤَكدًا - باليمين - بما أَنكروه في الدنيا.
وبذلك شهدوا على أَنفسهم أَنهم كانوا كافرين.
﴿قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾:
أَي فباشروا العذاب، وانغمسوا في آلامه وأَهواله، بسبب كفركم الذي كنتم عليه مُصِرِّينَ عليه، دائبين فيه.
وفي المشهد السابق ﴿وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾: وهنا وقفوا على غضب ربهم، ما يدل على أَن غضب الله، آلم من نار جهنم، فلو لم يكُن منه إلا حِرْمَانُهم من رؤيته والتمتع برضوانه، لكفى.

(١) الصافات، الآية: ٢٤.
(٢) الأنفال، الآية: ١٩.


الصفحة التالية
Icon