النحل: أُمَّةٌ جوية. لها رئيسة يطلق عليها لغة: "اليعسوب" وهذه الأَميرة تُوَجِّهُ أمَّتَها من النحل وتدبر أمرها. ولها نظام في السعى على الرزق، وبناءِ بيوت هندسية دقيقة، تجمع فيها العسل، وتحتضن البيض، حتى تخرج منه صغارها، ثم ترعاها حتى تفسير نحلا. إِلى غير ذلك من شئونها العظيمة الدالة على قوة إِدراكها.
ولذا أَخبر الله تعالى، بأَنها موضع لوحيه وإِلهامه فقال: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ (١).
وهكذا، شأن سائر الحيوانات الأَرضية والبحرية، والطيور الجوية.
فالآية فتحت آفاقا من العلم عن أُمم أُخرى:

لها خصائص تقرب من خصائصنا. ظلت مجهولة، حتى عرفها الباحثون أَخيرا، عن طريق التجربة ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ (٢).
﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾.
تفريط الشىء. تضييعه وتركه. كما قال الشاعر:
معه سقاءٌ لا يفرط حمله*
والتفريط فيه: أَن يهمل ما ينبغي أَن يكون فيه.
والمعنى: ما أَهملنا فيه شيئًا ينبغي ذكره فيه.
والمراد من الكتاب: اللوح المحفوظ، أَو القرآن الكريم.
وعلى الأَول، تكون جملة. ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ متوسطة (٣) للإِيذان بأن كل الأحوال مستقصاة في اللوح الحفوظ، غير مقصورة على هذا القدر المجمل.
وعلى الوجه الثاني. تكون الجملة متوسطة، لتقرير ما قبلها على معنى: ما تركنا في القرآن شيئًا من الأشياء الهامة في الدنيا والدين. ومن جملتها: بيان أنه تعالى، مراعٍ لصالح جميع مخلوقاته على ما ينبغي.
(١) النحل، الآية: ٦٨
(٢) المؤمنون، من الآية ١٤
(٣) يعبر عنها المفسرون؛ بأنها جملة اعتراضية أو معترضة. وقد اخترنا التعبير بمتوسطة، أدبا مع القرآن الكريم.


الصفحة التالية
Icon