فلا يحملنَّكَ الحرصُ على إيمان المشركين: أن تطرد فقراء المؤمنين وتُبْعِدَهم عن مجلسك. فتكون بذلك من الظالمين.
واعلم أيها القارئُ الكريم: أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم، قصد من تخصيص الوقت للمشركين حين يجلسون إليه، تأليف قلوب المشركين، ولم يقصد طَرْدَ المؤْمنين حقيقة. ولهذا لم يَرْوِ أَحَدٌ أن قلوب فقراءِ المؤمنين انكسرت لذلك.
وتعبير القرآن الكريم عن تخصيص الوقت للمشركين بأنه طَرْدٌ لفقراء المؤْمنين، يُرَاد منه إظهار كرامةِ المؤمنين على الله دون المشركين حتى جَعل تخصيصَهم بوقت، طرْدًا لهؤُلاء المخلصين... ومعلوم أن النهي عن طرد الضعفاء، لا يلزم فيه سوى جملة (ما عليك من حسابهم من شيء).
فنظمه في سلك ما لا شبهة فيه. وهو انتفاءُ أن عليهم من حساب الرسول شيئًا.. على طريقة قوله تعالى: "... لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" (١).
والمقصود الأساسي من الآية: أن من كانوا عند الله بهذه المنزلة، لا يجاب المشركون إلى ما طلبوه من طردهم عن مجلسه إِذا كانوا معه. وأنَّ شانَ المشركين عند الله تعالى: غاية في الهوان، فلا يُهْتَمُّ بهم.
وفي هذه الآية، دليل على أن الإسلام لا يميز بين الناس بالمال والرياسة، بل بالإيمان والعمل الصالح، وإن كانوا فقراء معدمين، وعلى أن الأُمراءَ مطالبون بإعطاء الفقراء حقهم من مجالس العلم ودوره، وأَلاَّ يمنعونهم عن مجالسة الأَغنياءِ فيها.
٥٣ - (وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين):
ومثل ذلك الابتلاءِ والفتنة، فتَنَّا المشركين بالمؤْمنين، ليقولوا محتقرين لهم: (أهؤلاء من الله عليهم من بيننا): كما قالوا محتقرين لدينهم: "... لو كان خيرا ما سبقونا إليه... " (٢).
(٢) الأحقاف، من الآية: ١١