وبذلك يتضح: أَن علم الغيب مقصور على الله ذاتا، وعلى رسله - منحةً وعطاءً - بقدر، فلا يحل لأَحد سواهم، أَن يدعى علمَه بالغيب بل قال العلماءُ: إِنه كافر، لتكذيبه ما جاء في كتاب الله تعالى من اختصاصه - تعالى - بعلم الغيب، إِلا أَن يتفضل ببعضه على من يرتضى من الرسل.
أَما ظنُّ الغيب بأمارات: فإِنه ممكن لعباده، فلا يكفر ولا يفسق من يدعيه، كما يحدث من الراصدين لحركات الرياح والشمس والقمر - حين يخبرون بهبوب الرياح بشدة أَو باعتدالها - وبكسوف الشمس يوم كذا، وبخسوف القمر ليلة كذا، وكما يحدث عن علماءِ الفلك حين يخبرون بزمن نزول المطر، أَو نزول درجة الحرارة وصعودها، أَو نحو ذلك، فيقع الأَمر كما قالوا.. وكما يفعَله الأَطباءُ بحكم العادة عندهم، إِذ يقولون: لمن حلمة ثديها الأيمن سوداء: جنينك ذكر، ولمن حلمة ثديها الأَيسر كذلك: جنينك أُنثى، أو يقولون لها: إِن كان جنبك اليمين أَثقل فالجنين أُنثى وإِلا فهو ذكر. فيقع الأَمر كما قالوا، ونحو ذلك، مما يخضع لقواعد علمية، أَو أَمارات ظنية.
وأَما العَرَّافون الذين يدعون علم الغيب، كقول أَحدهم لمن يستخبره عن مستقبله: إنك ستكسب كذا، أَو تتزوج فلانة أَو نحو ذلك، فهو كافر كما قاله القرطبى.
والمؤمنون منهيون عن إِتيان العرَّافين. فقد جاءَ في صحيح مسلم: "مَنْ أَتَى عَرَّافا فسأَلهُ عَنْ شَىْءٍ، لم تُقْبَلْ لهُ صلاةُ أَربَعِينَ لَيْلَةً".
وعند أَحمد وغيره، من رواية أَبي هريرة، عن رسول الله - ﷺ -: "مَن أَتَى عرَّافا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ، فَقَد كَفَرَ بما أَنزِلَ عَلىَ مُحَمَّدٍ".
﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾:
بعد أَن بين الله سبحانه، اختصاصه، بِعلْم الغيب كله. عطف عليه بيان علمه لما يشاهد أو يغيب في البر والبحر. وبما يسقطُ من الأَوراق، وعلمه بالرَّطب واليابس، تكملة لمتعلقات علمه، وإِيذانٌ بأَن الكل - بالنسبة إِلى علمه المحيط - سواءٌ في الجلاءٍ.