أَعمالكم - لكم أَو عليكم - حتى إِذا جاءَ أَحَدَكم زمانُ الموت، قَبضَتْ روحَه رسلُنا من الملائكة الموكَّلين بقبضِ الأَرواح، وهم لا يقصرون بالتواني والتأْخير.
وبذلك تنتهى أَعمال الحفظة الذين كانوا يسجلون أعمالكم من خير وشر.
وتبدأُ أُولى درجات الآخرة، فيشعر المكلف ببعض حظه من النعيم أو العذاب.
وقد اختلف العلماءُ فيما يكتبه الحفظة:
فمنهم من قال: إنهم يكتبون الحسنات والسيئات والباحات، كما يُشْعِرُ به قوله تعالى:
﴿... مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا... ﴾ (١) لكنهم لا يحاسِبُون على المباحات.
ومنهم من قال: إِن المباحات لا تكتب، إِذ لا فائدة من كتابتها، فإِنها لا حساب عليها، وتسجيل الحفظة لأَعمال المكلفين، ليس لتذكير الله بها فإِنه: أَحصى كل شيءٍ عددا، بل لتذكير المكلفين بها - حينما يقرءُونها، فيعرفون بها عَدْلَ الله؛ حينما يقضى عليهم، وإِحسانَه، حينما يحسن إِليهم.
وإِخبارُ الله لهم بكتابة أَعمالهم - صغيرها وكبيرها - دافع لهم إِلى بذل الجهد في الاتجاه بها
نحو الاستقامة: تحاشيًا لفضيحتهم بنشرها في ساحة الحساب، واتقاءً للعقاب عليها.
وما لم يُنَبَّهوا إِلى ذلك، تراخَوْا في العمل، وتساهلوا في المعاصي؛ اعتمادًا على كرم الله تعالى، مع أَنه لا ينبغى الاغترار بكرمه، قال تعالى: ﴿يَأيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ (٢) فكما أَن الله تعالى عفو كريم، فهو عزيز ذو انتقام.
٦٢ - ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلَاهُمُ الْحَق أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾:
ثم أعيد جميع المتوفين - مكلفين وغيرهم - إلى الله مولاهم ومالكهم الحق. أَما غيره من المعبودات، فليس له ولاية عليهم. ولهذا لا حُكْمَ له يوم القيامة فيهم. أَلا له الحكم يومئذ حقيقة وصورة: لا لغيره بأَى وجه من الوجوه. وهو أسرع الحاسبين، إذ لا يحتاج إِلى فكر وروية، ولا يشغله شأْن عن شأْن، فهو يحاسب الجميع في أَسرع زمان.
(٢) الانفطار، الآية: ٦