ولقد حمى الله سبحانه وتعالى، المؤمنين من هذا الوعيد بقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ (١).
فَعلى المؤمنين أَن ينتبهوا إِلى تلك الحقيقة، ويحتموا بإيمانهم من سلطان إِغوائه، فلا يستمعوا لوسوسته، ولا يأْبهوا بتزيينه، فإنه السمُّ الزعاف: متى استطاع استدراج العبد، جعله في ظلام لا يتبين فيه الحقيقة، ووجد صعوبة في العودة إِلى الجادة المستقيمة، فقد أَبعده اللعين عنها.
فعلى كل مسلم أن يصده ويعرض عنه، حتى لا تتأثر نفسُه بالاستماع الدائم إِلى وساوسه، وأَن يتذكر عداوته لآدم وذريته، لينجو من شرِّه. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ (٢) أَي تذكروا عداوته، فاستعاذوا باللهِ تعالى: يطلبون حمايتهم من شرِّه، قال تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (٣) حمى الله عباده المؤمنين من شرِّه، وهداهم إلي سواءِ السبيل.
ومعنى الآية: ثم لآتينهم من كل وجه يتجهون إليه بعد رصدهم ومراقبتهم، ولا تجد أَكثرهم - بسبب إِضلالى إِياهم - مطيعين لك.
تلك هي عداوة إِبليس للجنس البشرى. وهذا هو وعيده لهم.
فعلى الإِنسان أَن يكون حذرا من وساوسه، لينجو من عواقبها.
١٨ - ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾:
أَي قال الله لإبليس - مؤكدا طرده السابق - اخرج من منزلة الكرامة أو من الجنة، مذمومًا مِنِّى ومن أَهل طاعتى، مطرودا مبعدا من رحمتى أُقسِم: لَمَنْ تَبعَك منهم - في وسوستك له واستمر عليها - لأملأنَّ جهنم منكم أَجمعين: تابعين ومتبوعين.

(١) سورة النحل، الآيتان: ٩٩، ١٠٠
(٢) سورة الأعراف، الآية: ٢٠١
(٣) سورة فصلت، الآية: ٣٦


الصفحة التالية
Icon