وخلاصة معنى الآية الكريمة:
فأَغراهما الشيطان بوساوسه وتزيينه، وقال لهما: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا﴾ عَنْ أكْل ثمار هذه الشجرة، إِلا كراهة أَن تكونا مَلَكين أو تكونا من الخالدين في الجنة إن أكلتما منها.
والخلد: المكث الطويل، أَو بلا نهاية.
واستدل بعض العلماءِ، على أن الملائكة أفضل من البشر بأَدلة.. منها هذه الآية - ومنها قوله تعالى: ﴿وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾ (١) وقوله تعالى: ﴿وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ (٢).
ووجه الاستدلال بهذه الآية: أن إِبليس اعتبرهم فيها أَفضل من البشر: وأغوى آدم وحواءَ على الأكل منها ليرتقيا إلى درجة الملائكة، ولم يُنْكَرْ عليه اعتبارُهم أفضل من البشر، بل أُنْكرَ عليه تحريضهما على الأَكل المنهى عنه، ليكونا مثلهم، كما سيأْتي، وأن آدم لو لم يعلم بفضلهم على البشر، لما سعى إِلى درجتهم بارتكابه ما نُهِىَ عنه.
وقد أُجيب عن ذلك: بأن ذلك لا يثبت فضل الملائكة على البشر من كل وجه.
فقد يكون ما ذكر لكمالاتهم الفطرية، واستغنائهم عن الأطعمة والأَشربة، وفضلهم في ذلك لا يمارى فيه.
والراجح عند العلماءِ: أن المطيعين من بني آدم، أفضل من الملائكة؛ لأنهم غالبوا ما رُكِّب فيهم من الشهوة، وما سُلِّط عليهم من وسوسة إبليس، حتى استقاموا.
والملائكة ليسوا كذلك، إِذا لا توجد لديهم دواعى المعصية.
وفرق بين من أَطاع وهو مجبول على الطاعة، ومن أطاع مغالبا دواعى المعصية.
وعلى هذا الرأى ابن عباس وكثير من العلماء، ومنهم الزَّجَّاج.
فإن قيل: كيف صدق آدم إبليس في دعوى الخلود، فاعتقده وسعى إِليه. وذلك كفر؛ لأنه يعلم أَنه لا خلود للبشر، فسوف يصعقون عند النفخة الأولى.
فالجواب: أن الخلود الذي اعتقده آدم، وسعى إِليه، هو المكث الطويل، ولا كفر في طلبه وتصديق من يقول به...
(٢) سورة النساء، من الآية: ١٧٢