التفسير
٢٦ - ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ... ﴾ الآية.
هذا خطاب من الله تعالى إِلى الناس كافة. واللباس مخلوق في الأرض، وعَبَّر عن الإنعام به بإنزاله، لصدوره عن الله العلىّ الشأن إلى خلقه.
ونظيره قولك: رفعت حاجتى إلي الأمير، ولا رفع في الحقيقة. وإِنما المقصود به التعظيم.
قال أبو مسلم: كل ما أَعطاه الله إلى عبده، فقد أَنزله عليه، من غير نظر إلى نقله حقيقة من علو إِلى أَسفل. والمقصود منه التعظيم: أهـ.
ومثله قوله تعالى في سورة الحديد: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ (١).
وقيل: معنى ﴿أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا﴾: خلقناه لكم بأسباب سماوية، كالمطر الذي ينبت ما يصنع منه الثياب كالقطن.
وقيل: المراد قضيناه لكم. والقضاءُ يَنزل من السماء فهو مكتوب في اللوح المحْفوظ.
ومعنى ﴿يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾: يستر عوراتكم التي تسبَّب إِبليس في كشفها عن أبويكم، حتى اضطرا إلى سترها بأَوراق الشجر، وقد أَغنيناكم عن ذلك...
فالآية واردة على سبيل المنة على أَبناءِ آدم، بعد ما فعله إِبليس بأَبيهم. ولذا ختمت بوجوب اتعاظهم وتَذَكُّرِهم.
وقد هدى الله آدم وذريته، إلى المواد التي تصنع منها الملابس، وطريقة الحصول على تلك المواد، وكيفية صنع الملابس منها، على اختلافها، بما أَلقاه في خواطرهم من أسباب المعرفة. فله الحمد على تلك النعمة الساترة للعورات، الحافظة للأجسام، المُضْفِيَةِ للجمال.
﴿وَرِيشًا﴾: أَي وأنزلنا عليكم ريشا. والريش اللباس الفاخر.
﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾:
التقوى: الخشية من الله، المستتبعة للأعمال الصالحة. وإِضافة اللباس إِليها؛ لأنها تقى صاحبها من النار، كما يقى اللباس صاحبه من الحر والبرد.
فإذا اتقى العبد ربه، ستره من المعايب في الدنيا، ومن العقوبة في الآخرة.

(١) الحديد، من الآية: ٢٥


الصفحة التالية
Icon