فقد أَخرج الإِمام مسلم - بسنده - عن النبي - ﷺ - قال: "واللهِ لَوْلَا دعوة أَخى سليمان لأصبحَ موثقًا يَلعبُ بهِ وِلدانُ أهلِ الدينةِ " ودعوة سليمان هي قوله:
" قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِى لِأحَدٍ من بَعْدِىَ" (١).
وخرّج البخاري عن أبي هريرة قال: "وكلنى رسول الله - ﷺ - بِحفظ زكاة رمضان" وحكى قصة طويلة ذكر فيها أَنه أخذ الجنىَّ الذي كان يأْخذ التمر، وأَن النبي - ﷺ - قال له: "ما صنع أَسيرُك البارحةَ" (٢)؟
أمَّا ما ورد عن الإمام الشافعى من أنه قال: مَنْ زَعم أَنَّه رآهم رُدَّت شهادتُه وعُزِّرَ؛ لمخالفة القرآن؛ فمحمول على مَنْ زعم رؤيتهم على صورتهم الحقيقية، وهم متشكلون - يقول بها أَهل السّنة، والشافعى من خيارهم.
وأما القول بأَن رؤيتهم متشكلين، يرفع الثقة بحقائق الأشياءِ، فيجاب عنه: بأَن الله تعالى، كَفَل - لهذهِ الأمة - أَن يرفع عنها مثل ذلك، لاستلزامه الرِّيبة في الدين، ررفع الثقة بالعلماء، لاحتمال أن يكونوا متشكلين من الجن. فاستحال - شرعا - الاستلزام المذكور.
وأما استحالة رؤيتهم لِلَطافَتهم، وأن الله لم يقدر العيون على رؤيتهم بهذه اللطافة إِذا ظهروا على حقيقتهم - فيجاب عنه: بأَن ذلك مُسَلَّم، فيما عدا رسول الله - ﷺ -، إِذ لا مانع أن يخلق الله في بصره - عليه السلام - قوَّة يقدر بها على رؤيتهم على حقيقتهم، كما أقدره على رؤية جبريل على صورته الحقيقية.
وقد عمّ الناسَ - قديما وحديثا - القول برؤيتهم متشكلين، وأَصبح هذا حقيقة واقعة معترفا بها في جميع أَنحاءِ العالم.
والآية الكريمة مؤولة بأنها لتمثيل دقيق مكرهم وخَفِىِّ حيلهم. وليس المقصود بها نفى رؤيتهم حقيقة.
(٢) راجع جـ ٧ من القرطبى ص: ١٨٧