فمنهم من قال بتساوى التناول والإِعراض.
ومنهم من قال: الإعراض عنها أَفضل، فهو قربة من حيث إِنه يؤدى إلى الزهد في الدنيا، ليتفرغ للعمل للآخرة، وما يؤدى إلى ذلك يكون مندوبا، والإقبال عليه يكون مكروها، لأَنه يشغل عن الآخرة، ولقوله تعالى:
﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا﴾ (١).
ومنهم من قال: إن حَضَرتْ بلا كُلْفَةٍ فلا كراهة، وإلا كرهت...
وصححه أبو الحسن المقدسي.
وعلَّل تصحيحه بأَنه لم ينقل عن النبي - ﷺ -، امتناع عن الطعام لأَجل طيبه. بل كان يأكل العسل، والحلوى، والبطيخ، والرطب، وإنما يكره التكلف، لما فيه من التشاغل بشهوات الدنيا عن مهمات الآخرة.
﴿قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾:
هذا تصريح بِحِلِّ الزينة وطيّبات الرزق... بعد ما فهم - استلزاما وإشارة - من إنكار تحريمهما السابق... جىءَ به لتأْكد الحِلِّ..
قل أَيها الرسولَ: زينةُ الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزقِ، مباحة للذين آمنوا في الحياة الدنيا: في الحج وغيره. خالصة من العقوبة يوم القيامة فلا وجه لتحريمهما كما فعل أهل الجاهلية.
وتخصيص تحليلها بالمؤمنين، مع أَن لغيرهم حق الانتفاع بها؛ لأَن هذا تشريع. والتشريع يوجّه إلى المؤمنين ليعملوا به. ولا يتحرجوا متأثرين بعادات الجاهلية، ولأنه أكَّدَ حِلّها مرة ثانية، فوصفها بالخلوص من العقوبة يوم القيامة.. وذلك خاص بالمؤمنين.. إذَّ الكافرون يعاقبون على التقصير في شكرها بترك الإيمان...
وبعضهم فسَّر الآية بقوله: قل هي - بالأَصالة - للذين آمنوا في الحياة الدنيا؛ لمزيد كرامتهم، والكافرون تبع لهم، خالصة للمؤمنين يوم القيامة: لا يشاركهم فيها غيرهم.
وما قلناه - أَوَّلًا - أولى. فإن الآية مسوقة للردِّ على الكافرين في تحريمهم لها في الحجِّ، وتأْثيم من يتعاطاها.

(١) سورة الأحقاف، من الآية: ٢٠


الصفحة التالية
Icon