التفسير
١١ - ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ﴾ الآية.
بعد أَن ذكر الله سبحانه استغاثة النبي - ﷺ - والمؤْمنين بربهم في غزوة بدر، واستجابته لهم، بإِمدادهم بالملائكة للبشرى بالنصر، ولاطمئنان قلوبهم، ذكر منَّةً أُخرى، هي جعله النعاس غالبا عليهم، مغطيا لمشاعرهم، تأْمينا لهم من الخوف الذي كان يساورهم، من الفَرْق العظيم بينهم وبين عدوهم، في العدد والعدة.
وإِنما كان النعاس مانعا من الخوف، لأَنه ضرب من الذهول والغفلة عن الخطر، وكان في الليلة السابقة للقتال، لتستريح أَعصابهم، فيصبحوا مقبلين على المعركة بجد ونشاط، وقد جاء في هذا النعاس عن على بن أبي طالب - رضي الله عنه - أَنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد بن الأَسود ولقد رأَيناه وما فينا إِلا نائم، إلا رسول الله - ﷺ -، يصلى تحت شجرة حتى أَصبح.
﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ.... ﴾ الآية.
تحكى هذه الجملة نعمة أُخرى، كان لها شأْن كبير في النصر على المشركين، وكان جيش المسلمين قد نزل بعدوة الوادى القريبة من المدينة، بعيدا عن الماءِ في أَرض رملية وسبخة، أَمّا المشركون فقد نزلوا على ماءِ بدر بالعدوة القصوى في أَرض جلدة، فأَصبح المسلمون لا يجدون الماء ليشربوا ويغتسلوا ويتوضأُوا.
فكان هذا الموقف مزرعة لأَحاديث الشيطان النَّفْسِيَّة، المحطمة للعزائم المدمرة للقلوب، فلقد حدثهم أَن العطش سوف يضعف قواهم، ويساعد المشركين في القضاء عليهم، فأَدرك الله المؤمنين بلطفه، وأَنزل عليهم من السماءِ مطرا سال به الوادى، فشربوا واتخذوا الحياض على عدوة الوادى الدنيا، واغتسلوا وتوضأُوا وملأُوا الأَسقية وتلبدت الأَرض السبخة حتى ثبتت عليها الأَقدام، على حين كان المطر كارثة على المشركين، فقد تحولت به أَرضهم الجلدة إلى أَو حال لا يقدرون معها على الحركة في القتال.
وبهذه النعمة أَذهب الله عن المسلمين رجز الشيطان ووسوسته وحقق لهم النصر، والمعنى: وينزل عليكم من السماءِ غيثا، لكي يطهركم به من الأَحداث، ومن وعثاءِ السفر، ولكى