أمرَ رسول الله - ﷺ - (١) فأَخذ كفًّا من الحصى فاستقبلنا به، فرمى به وقال: (شاهت الوجوه) فانهزمنا، فأَنزل الله عز وجل: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى﴾ أَخرجه الطبرانى وإسناده حسن.
وعن ابن عباس أَن النبي - ﷺ - قال لعلى: نَاوِلنى كفًّا من حصى، فناوله فرمى به وجوه القوم، فما بقى أَحد من القوم إِلا امتلأَت عيناه من الحصباء، فنزلت: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى﴾ الآية. أَخرجه الطبرانى، ورجاله رجال الصحيح (٢).
وقد اشتمل النص الكريم على نفى الرمى من النبي - ﷺ - بقوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ﴾ وإِثباته له بقوله: ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾ وليس هذا من باب التناقض بنفى الشىءِ وإِثباته، فإِن النفى منصب على الرمى من جهة خلقه وخلق آثاره، فِإنه فعل الله وليس فعل الرسول، والإِثبات موجه إِلى كسب الرسول أَي إلى فعله الظاهر.
المعنى:
وما رميتَ يا محمَّد الحصباء المخلوطة بالتراب بقدرتك الذاتية، حين رميتها يوم بدر في وجوه المشركين، فامتلأَت بها عيونهم، وشغلوا بها عن قتالكم، ولكن الله تعالى هو الذي أَلهمك إِلقاءها، وأقدرك على رميهم بها، وأَوصلها مع قلتها إلى عيون المشركين جميعهم، - وهم نحو الأَلف - فالله تعالى هو الذي رماهم بها حقيقة، وأَما رميك لهم فهو بإِقدار الله، ربطا للمسببات بأَسبابها الظاهرة، ولولا ذلك ما حدث الرمى ولا آثاره، واستدل بالآية على أَن أَفعال العباد بخلقه تعالى، وإِنما لهم كسبها ومباشرتها، قال الإِمام الرازى: أَثبت - سبحانه - كونه - ﷺ - راميا، ونفى كونه راميا، فوجب حمله على أنه - ﷺ - رمى كسبا، والله رمى خلقا.
وقال ابن المنبر: علامة المجاز أَن يصدق نفيه حيث يصدق ثبوته، ثم قال: فلمَّا أَثبت الله سبحانه الفعل للخلق ونفاه عنهم، دل على أن نفيه على الحقيقة، وثبوته على المجاز بلا شبهة.

(١) أَي أمر عليا - رضي الله عنه - بإحضار كف من حصباء الوادى فأحضرها فأخذها الرسول - الخ وسيأتى في الحديث التالى ما يدل على ذلك.
(٢) مجمع الزوائد جـ ٦ ص ٨٤


الصفحة التالية
Icon