بما أَخرجه الترمذي والنسائى عن أَبي هريرة أَنه - ﷺ - مرَّ على أُبىِّ بن كعب وهو يصلى، فدعاه فعجل في صلاته، ثم جاءَ فقال له النبي: (ما منعك من إِجابتى؟) قال: كنت أصلى، قال: "أَلَمْ تُخْبَرْ فيما أُوحِىَ ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ قال: بلى ولا أَعود إِن شاء الله تعالى، ثم قال - ﷺ -: "لأُعلمنَك سورةً أَعظمَ سورةٍ في القرآن: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هي السبع المثانى".
ورأَى بعض العلماء أَن إِجابة الرسول في الصلاة، وإِن كانت واجبة كما دل عليه الحديث والآية، إِلا أَنه لا دلالة فيهما على أَنها لا تقطع الصلاة، بل يجب استئنافها من جديد بعد أَن قطعت بإِجابة الرسول - ﷺ - وحكى الرويانى أَنها لا تجب، وتبطل الصلاة بها، فإِن المصلى قائم بين يدي ربه، وهو مشغول بطاعته، وما جاءَت الرسالات إِلا لذلك، وإِنما تجب الاستجابة التي دعت الآية إِليها، فيما عدا وقت الاشتغال بالصلاة، ولعل القائلين بذلك لم يطلعوا على هذا الحديث... وتوسط بعض العلماءِ بين الرأْيين فقال: إِذا نادى النبي - ﷺ - أَحدًا وهو يصلى فإنه يقطع صلاته إذا كان الدعاء لأَمر يفوت بالتأْخير، ومثل ذلك مثل ما إِذا رأَى المصلى رجلًا أَعمى وصل إلى بئر، ولو لم يحذره لهلك، فإِنه يقطع صلاته ويحذره، ثم يستأْنفها، وحمل أَصحاب هذا الرأْى دعاء النبي - ﷺ - لأُبى بن كعب الذي ورد في الحديث على أَنه كان لأَمر هام بدليل قوله تعالى: ﴿إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾، فلذلك قال له الرسول: (ما منعك من إجابتى؟) يريد بذلك أَنه كان عليه أَن يقطع صلاته ليجيبه - ﷺ -.
ونحن نقول: إن الظاهر أَن ذلك كان في صلاة النافلة، فإِنها لو كانت فرضا لكان النبي - ﷺ - يصلى بالمسلمين جماعة وفيهم أُبَىُّ بن كعبِ راوى الحديث، فلا يكون حينئذ مجال لنداء الرسول له، فالأَولى قصر الكلام على صلاة النافلة.
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾:
قبل الكلام على تفسير هذا النص الكريم نقول:
الحول بين الشيئين الفصل بينهما، تقول هذا الشىء يحول بينى وبينك، تعنى أَنه يفصل بينكما، قال صاحب القاموس: (كل ما حجز بين شيئين فقد حال بينهما) يعني فقد فصل بينهما.