أَي واتخذوا لكم وقاية من ذنب لا يقتصر وباله على الذين ظلموا أَنفسهم، بتوريطها في المعاصي، بل يعمهم وغيرهم بشؤمهم. ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾: يعاقب من خالفه ولم ينفذ أَوامره، أَو وافق على مخالفته، أَو ترك الإِنكار على المخالفين، وأَهمل وعظهم وتذكيرهم.
والآية الكريمة خطاب للمؤْمنين في كل عصر، فلا يقتصر حكمها على أَصحاب رسول الله - ﷺ - والمقصود من الآية أَن لا يترك العصاة بدون زجر، بل يؤْخذ على أَيديهم، كما قال - ﷺ -: "من رأَى منكم منكرا فليغيره بيده فإِن لم يستطع فبلسانه، فإِن لم يستطع فبقلبه وذلك أَضعف الإِيمان" (١) فإِن لم يفعل المؤْمنون ذلك، وقعوا في الفتنة، أَي أثموا وأَذنبوا، لأَنهم قَصَّرُوا في الأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبذلك لم تقتصر الفتنة - أَي الذنب - على من باشر المعصية وحده، بل عمته وغيره، قال - ﷺ -: "إن الناس إِذا رأَوا الظالم فلم يأْخذوا على يده، أَوشك أَن يعمهم الله - تعالى - بعقاب" أَخرجه الترمذي وأَبو داود عن قيس بن حازم عن أَبي بكر - رضي الله عنه -، وأَخرج الترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - ﷺ -: لما وقعت بنو إِسرائيل في المعاصي نهاهم علماؤُهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم، وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم، ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ ".
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ في الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦)﴾.