عنادا وإِباءً للحق: لو نشاء لقلنا مثل هذا القرآن الذي جئتنا به، ما هذا إِلا ما سطَّرهُ الأَولون من القصَصِ والحكايات، وليس كلام الله تعالى، وحيث كان كذلك فنحن قادرون على الإِتيان بمثله. وجمهور المفسرين على أَن قائل هذا هو النضر بن الحرث، كان يذهب إِلى أَرض فارس والروم يتسمع أَخبارهم عن كبارهم، ويذهب إِلى اليهود والنصارى فيسمع منهم التوراة والإنجيل، وإِسناد هذا القول إِلى قريش، لأَنه كان من زعمائهم وكانوا موافقين على ما يقول.
وهذا القول واضح البطلان، فإنه تحداهم عشر سنين أَن يأتوا بمثله، وجعل يتحداهم حتى نزل بهم إلى سورة واحدة، فلم يستطيعوا إِلى تحقيق زعمهم سبيلا، ثم قارعهم بالسيف فعجزوا عن تحقيق زعمهم، ولو كانوا قادرين لأَبطلوا حجته في إِعجازه وبذلك ينتهى أمره، ولم يزل يكافحهم حتى دانوا للقرآن، ودخلوا في دين الله أَفواجا هم وغيرهم من العرب وسواهم.
ولا يزال هذا التحدى باقيا إِلى أَن تقوم الساعة، وسوف يعجز غيرهم كما عجزوا بل غيرهم أَجدر بالعجز منهم، فهم فرسان البلاغة، والمالكون لأَزمة الفصاحة فكيف بسواهم، وإِعجاز القرآن ليس مقصورا على بلاغته وفصاحته، بل لأنه أيضًا شامل لأَخبار الأَنبياء، مصحح لما جاءَ عنها خطأ في التوراة والإِنجيل، كما هو شامل لما جاءَ فيهما من تشريعات صالحة للبقاء ويزيد عليهما ما هو صالح للجنس البشرى إِلى أَن تقوم الساعة ومن إِعجازه أنه تحدث عن خلق هذا الكون من دخان (غاز) ولم يعرف ذلك العلماء إِلا حديثا، كما تحدث عما سوى ذلك من الكونيات التي أَقرها العلمُ الحديث، إِلى غير ذلك مِن فنون إِعجازه، وكل ذلك جاءَ به سيَّدٌ كريم لا يعرف القراءَة ولا الكتابة كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (٤٩)﴾ (١).

(١) العنكبوت الآية: ٤٨، ٤٩


الصفحة التالية
Icon