أَي فسيروا في الأَرْض آمنين على أَنفسكم من قتال المسلمين مدَّة أَربعة أَشهر، لا تتعرضون للإِيذاءِ فيها، واعلموا أَنكم غير معجزى الله بسياحتكم في الأَرض أَو قتالكم المسلمين، وأن الله مخزى الكافرين في الدنيا بالهزيمة، وفي الآخرة بسوءِ العذاب.
وقد عُلِم من الآية الكريمة أَن الناكثين لعهودهم يمهلون أَربعة أَشهر، سواء أَكانت مدتهم كذلك، أَم أقل منها أَم أَكثر، وابتداء هذا الأَجل من يوم الحج الأَكبر، وانقضاؤه بعد تمام أَربعة أَشهر كوامل.
٣ - ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾:
أَي وإِعلام من الله ورسوله - ﷺ - إِلى الناس كافة مسلمهم وكافرهم في يوم الحج الأَكبر، أَن الله برىءٌ من عهود المشركين الناكثين، وأَن رسوله - ﷺ - برىءٌ منهم كذلك (١)، والمراد بيوم الحج الأَكبر يوم النحر، أَما العمرة فهي الحج الأَصغر، وقد تولى إِبلاع هذا الإِعلام أَبو بكر وعلى - رضي الله عنهما -، كما رواه البخاري وغيره، وخلاصة تلك الروايات أَنه - ﷺ - أَمَّر أَبا بكر - رضي الله عنه - على موسم الحج سنة تسع، ثم أَتبعه عليا - رضي الله عنه - على ناقته العضباء، ليقرأَ صدر سورة التوبة على أَهل الموسم، فقيل له عليه الصلاة والسلام: لو بعثت بها إِلى أَبي بكر فقال - ﷺ -: "لا يُؤَدِّى عَنِّي إِلاَّ رَجُلٌ مِنِّي" وذلك لأَن عادة العرب أَن لا يتولى أَمر العهد والنقض على القبيلة إِلا رجل منها، فلما قَرُبَ عَلىٌّ سمع أَبو بكر صوت ناقة مقبلة فقال هذا رغاءُ (٢) ناقة رسول الله - ﷺ -، فلما لحقه علىٌّ قال له أَبو بكر: أَمير أَم مأْمور، قال بل مأْمور، ومضيا، فلمَّا كان قبل يوم التروية خطب أَبو بكر - رضي الله عنه - وحدثهم عن مناسك الحج، وقام على - رضي الله عنه - يوم النحر عند جَمْرَة العقبة فقال:
يأَيها الناس إِنى رسولُ رسولِ الله - ﷺ - إِليكم فقالوا بماذا؟ فقرأَ عليهم ثلاثين أَو أَربعين آية من أَول سورة التوبة ثم قال: أُمرت بأَربع: أَن لا يقرب

(١) ولا تكرار بين ما جاء في هذه الآية، وما جاء في الآية الأولى، فإن الأولى فيها إخبار بثبوت البراءة من الناكثين لعهدهم وأما هذه ففيها وجوب إعلام جميع الناس بذلك، ولم يخصه بالمعاهدين.
(٢) الرغاء: صوت الإبل.


الصفحة التالية
Icon