١٨ - ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ... ﴾ الآية.
المعنى: إِنما الجدير بأَن يعمر مساجد الله ويثاب على عمارتها، من آمن بالله - وحده - ربًّا ومعبودًا، وصدَّق باليوم الآخر موعدًا ومصيرًا، وحسابًا وجزاءً، وأَدى الصلاة على وجهها المشروع في مواقيتها، وأَعطى الزكاة بأَنواعها ومقاديرها لمستحقيها، وفقًا لما جاءَ به الرسول - ﷺ - وامتثالا لأَمره وإِيمانًا به، ولم يخف في الحق غير الله تعالى، فهؤلاءِ الجديرون وحدهم بعمارة مساجد الله دون من أَشرك بالله وكفر برسول الله - ﷺ -.
﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾:
كلمة (عَسَى) من الله تفيد وقوع ما بعدها حتما، قال ابن عباس وغيره: "عسى" من الله واجبة، وقال محمَّد بن إِسحق: عسى من الله حق.
نقول: ومن ذلك قوله تعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾.
أَي أَنه تعالى سيبعث نبيَّنا يوم القيامة ذا مقام يحمده له الأَولون والآخرون، وهو مقام الشفاعة العظمى وأَن ذلك حاصل بفضل الله ولا بد من حصوله.
والمعنى: فعسى أُولئك المؤمنون باللهِ واليوم الآخر المقيمون الصلاة المؤتون الزكاة الخائفون من الله - وحده - عسى هؤلاءِ أَن يكونوا من المهتدين إِلى ما يحبون، من الجنة وما فيها من المطالب العلية.
وإِنما عبر عما ينتظر هؤلاءِ الكرماءَ على الله، من الاهتداءِ إِلى مطالبهم العليَّة، بعبارة تفيد التوقع دون القطع، لتنحسم أَطماع المشركين في الانتفاع بأَعمالهم التي حسبوا أَنها نافعة لهم، ولتوبيخهم بقطعهم أَنهم مهتدون، فإِن المؤمنين - على ما بهم من الكمالات - إِذا كان أَمرهم دائرا بين "لعل وعسى" فما بال الكفرة، كما أَن فيه ترغيبًا للمؤمنين في أَن يكون لهم مع الرجاءِ في فضل الله خوفٌ من عقابه على ما عسى أَن يكون لهم من تقصير في العمل أَو النية.