وبعد أَن أَنكر الله على المشركين زعمهم أَفضليتهم على المؤمنين، عن طريق إِنكاره لما هو أَخف منه من المشابهة، حكم الله تعالى بعدم تساويهما عنده، وتوعَّد المشركين فقال:
﴿لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾:
أَي: لا يستوى المشركون - وإِن تقربوا إِلى الله بالسقاية وعمارة المسجد الحرام - مع المؤمنين بالله ورسوله واليوم الآخر المجاهدين في سبيل الله، فالأَولون خالدون في النار أبدًا، والآخرون خالدون في الجنة أَبدًا، والله - تعالى - لا يهدى إِلى الرشد من ظلم نفسه، وظلم الحق بإِصراره على الشرك بالله، والكفر برسول الله - ﷺ -.
وقد جاءَ في سبب نزول هذه الآية رواية أُخرى في صحيح مسلم عن النعمان بن بشير قال:
"كنت عند منبر رسول الله - ﷺ -، فقال رجل ما أُبالى أَن لا أَعمل عملا بعد الإِسلام إِلا أَن أَسقى الحاج، وقال آخر: ما أُبالى أَن لا أَعمل عملا بعد الإِسلام إِلا أَن أَعْمُرَ المسجد الحرام وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أَفضل مما قلتم: فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أَصواتكم عند منبر رسول الله - ﷺ - وذلك يوم الجمعة ولكن إِذا صليت الجمعة دخلت واستفتيته فيما اختلفتم فيه فأَنزل الله عز وجل: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ... ﴾ الآية.
وهذا المساق يقتضي أَن الآية نزلت عند اختلاف المسلمين في الأَفضل من هذه الأَعمال، وأَن الآية نزلت بتمامها إِلى قوله تعالى: ﴿وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ في شأْن خلافهم، وهذا مشكل بالنسبة إِليهم. فإِنهم مهديون وليسوا بظالمين.
وأُجيب عن هذا الإِشكال بأَنه لما قرأَ النبي - ﷺ - الآية ظن الراوى أَنها نزلت حينئذ فقال إِنها نزلت بهذا السبب في حين أَن النبي - ﷺ - لمَّا استفتاه عمر فيما اختلفوا فيه قرأَ النبي - ﷺ - الآية التي نزلت من قبل بشأْن المشركين، مستدلًا بها على أَن الجهاد أَفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد


الصفحة التالية
Icon