التفسير
٢٠ - ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا في سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ... ﴾ الآية.
لما أَنكرت الآية السابقة استواءَ الذين يسقون الحجاج ويعمرون المسجد الحرام - وهم مشركون - مع المؤمنين المجاهدين في سبيل الله، جاءَت هذه الآية وما بعدها لبيان عظيم درجاتهم عند الله، بسبب ما اتصفوا به من الكمالات:
والمعنى: الذين آمنوا بالله تعالى ربًّا وبمحمد - ﷺ - نبيًّا، وهجروا وطنهم مكة إِلى المدينة، حماية لدينهم وأَمنا على أَنفسهم وعقيدتهم، وجاهدوا الكفار بأَموالهم وأَنفسهم، في طريق مرضاة الله وإِعزاز دينه، لا طلبًا للشهرة والاتسام بالشجاعة والفتوة، ولا تهافتًا على نيل الغنيمة من غير تطلع إِلى جانب الله، أُولئك ﴿أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ﴾. أَعلى رتبة وأَكثر كرامة ممن لم يتصف بها من هؤلاءِ الذين أَشركوا بالله، وخلطوا بشركهم سقاية الحجاج وعمارة المسجد الحرام.
وأَفعل التفضيل في قوله تعالى: ﴿أَعْظَمُ دَرَجَةً﴾ على غير بابه، فليس للمشركين أَي درجة من الفضل والثواب بسبب شركهم، ولذلك عقبه بقوله:
﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾:
وأُولئك المنعوتون بهذه الكمالات هم المختصون بالفوز العظيم والظفر بالبغية دون سواهم، فكيف يزعم أُولئك المشركون علوهم في الفضل على المؤمنين، من أَجل سقايتهم الحجاج وعمارتهم المسجد الحرام وهم بربِّهم يشركون:
ثم يبين الله عظيم درجاتهم وفوزهم ويبشِّرهم فيقول:
٢١ - ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾:
يخبرهم الله مُبَشِّرًا برحمة عظيمة منه في دنياهم وأُخراهم، ورضوان كريم عن فضائلهم، وجنات يقصر الوصف عن بيان عظمتها، لهم فيها نعيم لا يقادر قدره، دائم لا نفاذ له ولا شك في أَن الإِخبار بذلك يسرُّهم ويرضى قلوبهم ويَغيظ عدوهم.