التفسير
٢٣ - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾:
بعد أَن بين الله فيما تقدم أَن المشركين لا يستوون عند الله مع المؤمنين مهما قدَّموا من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام وغيرهما، - وأَن المؤمنين أَعلى منزلة وأَعظم كرامة لديه منهم، فهم الفائزون دونهم برحمة الله ورضوانه ونعيمه المقيم.
بعد أَن بيَّن الله ذلك أَتبعه في هذه الآية نهى المؤمنين عن موالاة أَقاربهم إِن هم استمروا على كفرهم وشركهم، وهذه الآية نزلت في المهاجرين، فإِنهم لما أُمروا بالهجرة قالوا إِن هاجرنا قطعنا آباءَنا وأَبناءَنا وعشيرتنا، وذهبت تجارتنا وهلكت أَموالنا، وخربت ديارنا وبقينا ضائعين، فنزلت: فهاجروا، فجعل الرجل يأْتيه ابنه أَو أَبوه أَو أَخوه أَو بعض أَقاربه فلا يلتفت إِليه، ولا ينزله ولا ينفق عليه، ثم رخص لهم في ذلك: والآية عامة الحكم وإِن كان السبب خاصًّا.
والمعنى: يا أَيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا يَتَّخذ أَحد منكم أَباه أَو أَخاه حبيبًا يصافيه ويخلص له الودَّ إِن استحب الكفر وآثره على الإِيمان، وأَصرَّ عليه إِصرارًا لا يرجى منه الإِقلاع عنه. والنهي عن موالاتهم في تلك الحالة يقتضي جواز موالاتهم قبلها، على أَمل أَن تؤدي بهم إِلى الإِسلام، بسبب شعورهم بسماحته.
﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾:
ومَن يحبهم ويخلص لهم الودَّ، وهم على ما هم عليه من الإِصرار على الكفر بالله ورسوله، فأُولئك هم الظالمون - وحدهم - دون سواهم فإِن ظلم غيرهم يتلاشى أَمام ظلمهم، لأَنهم أَحبُّوا من كفر باللهِ ورسوله، وليس بعد الكفر ذنب، فكيف يحبون من يتصف به.
٢٤ - ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ في سَبِيلِهِ.. ﴾ الآية.