﴿وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾:
المراد بهؤلاءِ الجنود الملائكة، أَنزلهم الله تعالى ليُقَوّوا المؤمنين بما يُلقون في قلوبهم من الخواطر والتثبيت، ويضعفوا الكافرين بالتجبين لهم من حيث لا يرونهم ومن غير قتال، أَخرج البيهقي عن مصعب بن شيبة عن أَبيه قال: "خرجت مع رسول الله - ﷺ - يوم حنين، والله ما أَخرجنى إِسلام ولا معرفة به ولكنى أَبيت أَن تظهر هوازن على قريش فقلت وأَنا واقف معه: يا رسول الله: إِنى أَرى خَيلا بُلْقًا، فقَال: يا شيبة إِنه لا يراها إِلا كافر، فضرب بيده في صدرى، ثم قال: اللهم اهدِ شيبة، ثم ضربها الثانية ثم قال: اللهم اهد شيبة، ثم ضربها الثالثة ثم قال: اللهم اهد شيبة، قال: فوالله ما رفع يده عن صدرى في الثالثة حتى ما كان أَحد من خلق الله أَحبّ إِلىَّ منه" الحديث.
وهو يدل على أَن الملائكة نزلت على خيل بلق، وأَن المسلمين لم يروها مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ بل كان يراها الكافرون، ولذا رآها - شيبة راوى هذا الحديث - رآها قبل أَن يسلم فضربه النبي - ﷺ - على صدره ودعا له فاهتدى، وكان الغرض من إِنزالها إِلقاء الرعب في قلوب الكافرين، حين يرونهم في صفوف المؤمنين، قال سعيد بن السائب بن يسار عن أَبيه قال: "سمعت يزيد بن عامر السوائى وكان شهد حنينا مع المشركين يوم حنين، فكان يأْخذ الحصاة فيرمى بها في الطست فَيَطِنُّ (١)، فيقول: كنا نجد في أَجوافنا مثل هذا" يقصد بذلك تصوير أَثر الرعب في قلوبهم.
﴿وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾:
المراد بتعذيبهم ما حدث لهم من القتل والجرح، والسبى وغنيمة الأَموال، والهزيمة بعد الانتصار، روى أَن عليًّا - رضي الله عنه - قتل بيده أَربعين رجلًا في هذه الغزوة وذلك غير ما فعله سواه من المقاتلين، وكان قتلاهم عددًا كبيرًا، وسبق أَصحابُ رسول الله - ﷺ - أَربعة آلاف نفس وغنموا اثنتى عشرة أَلف ناقة، سوى مالًا يحصى