ويرى الشافعية أَن الجزية لا تؤخذ إِلا من أَهل الكتاب والمجوس، أَما أَهل الكتاب فمن هذه الآية، وأَما المجوس فمن السنة قال - ﷺ -: "سُنُّوا بهم سنة أَهل الكتاب" أَخرجه مالك في الموطَّأ (١) فلا تقبل عندهم من المشركين لقوله تعالى:
﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ (٢) ورأَى الحنفية رأْيهم.
أَما المالكية فإِنهم يرون أَخذ الجزية من جميع أَصناف الشرك والجحد عربا كانوا أَو عجما إِلا المرتد، وقال الأَوزاعى مثل قولهم فقد قال: تؤخذ الجزية من كل عابد وثن أَو نار أَو جاحد أَو مكذب.
وقال ابن القاسم وأَشهب وسحنون، تؤخذ الجزية من مجوس العرب والأُمم كلها، وأَما عبدة الأَوثان من العرب فلم يستن الله فيهم جزية، ولا يبقى على الأَرض منهم أَحد وإِنما لهم القتال أَوالإِسلام، ولابن القاسم رأى آخر بأَخذ الجزية منهم كمالك، ونقل القرطبى عن الشافعى أَنه يؤخذ من الغنى والفقير من الأَحرار البالغين دينار لا ينقص منه شيء، وإِن صولحوا على أَكثر من دينار جاز.
ولأَهل المذاهب فيما تقدم آراء مفيدة يرجع إِليها في الموسوعات.
٣٠ - ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ﴾:
بعد أَن شرع الله في الآية السابقة قتال أَهل الكتاب إِلى أَن يستسلموا أَو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، أَتبعه بيانا لبعض ما كفروا به واستوجبوا بسببه القتال وفرض الجزية.
وقد أَفادت الآية، أَن كلا من اليهود والنصارى كفروا بادعاء البُنُوَّة لله تعالى، فأَما اليهود فقد زعموا أَن عزيرا ابن الله، وأَما النصارى فقد زعموا أن المسيح ابن الله، وسبب قول اليهود مقالتهم، أَن بختنصر أَخذ جميع نسخ التوراة منهم وأَعدمها لمَّا غزاهم، ولم يوجد فيهم بعد حين من يحفظها، حتى ظهر عزير فأَملاها عليهم حفظا كما

(١) وذلك لأن لهم شبهة كتاب: قال ابن عطية: روى أنه قد كان بعث فيهم نبى اسمه زرادشت والله أعلم.
(٢) سورة التوبة من الآية: ٥


الصفحة التالية
Icon