﴿وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾:
أَي واتخذ النصارى المسيح، ابن مريم إِلهًا (١)، وكان ذلك على صور شتى فمرَّة عبدوه على أَنه ابن الله، وأُخرى عبدوه على أَنه إِله، وثالثة على أَنه ثالث آلهة ثلاثة، وكل ما فعله هؤلاءِ لم يأْمر به الله ولذا قال سبحانه وتعالى:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾:
أَي وما أَمرهم الله في كتبه التي أَنزلها إِليهم، إِلا ليطيعوا إِلها واحدا فيما أَمرهم به أَو نهاهم عنه، هو الله لا إِله إِلا هو، فلا يصلح أَن يطاع أَو يعبد غيره - سبحانه - وتنزيها له عن أَن يكون له شريك بأَية صورة مما يفعلون.
٣٢ - ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾:
المقصود بنور الله، إِما حجته النيرة الدالة على وحدانيته، وتنزهه عن الشركاء والأَولاد، أَو القرآن العظيم الناطق بذلك، فهو الذي أَنار العقول والقلوب بالحق كما تنير الشمس وجه الأَرض.
والمعنى: أَن أَهل الكتابين يريدون أَن يطفئوا نور القرآن الذي أَوضح الله به وجه الحق، وكذبهم في دعاوى بنوة عزير وعيسى لله وربوبية الأَحبار والرهبان والمسيح ابن مريم، وبين شرائع الله على وجهها الحق، حيث يحاربونه بأَلسنتهم وأَقاويلهم الباطلة الخارجة من أَفواههم، وأَنى لهم إطفاؤه وهو نور الله تعالى.
ويجوز أَن يكون المقصود تشبيه حالهم في محاربة النبي - ﷺ - والقرآن الكريم، بحال من يريد طمس نور عظيم نشره الله في الآفاق وإِطفاءَه بنفخة بالفم، والمقصود بهذا التشبيه إِقناطهم من نيلهم ما يبتغون من هدم الإِسلام ورسالته الهادية، ولهذا قال سبحانه عقب ذلك:

(١) راجع ما كتبناه عن السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام في ربع (إن الله اصطفى) وما بعده من سورة آل عمران، وفي ربع (إنا أوحينا إليك) في آخر سورة النساء، وفي الربع الأخير من سورة المائدة.


الصفحة التالية
Icon