﴿وَغِيضَ الْمَاءُ﴾: أَي نقص. ﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾: واستقرت السفينة على جبلٍ يُسمَّى بهذا الاسم، واختلف في موقعه على ما سنبينه في الشرح.
﴿بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾: أَي هلاكا لهم، يقال: بَعُدَ بُعْدًا وَبَعْدًا، إذا بَعُدَ بحيث لا يرجى رجوعه، ثم استُعِير للهلاك.
التفسير
٤٤ - ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾.
بعد ما بيَّنت الآية السابقة شدة الطوفان وإِغراقه لأَهل الأَرض، وأَنه لم يعصم منه إلا من رحمه الله وهم أهل السفينة التي صنعها لهم نوح، جاءَت هذه الآية لتبيِّن انتهاءَ الطوفان بأَمر الله، بعدما أَهلك الله به الظالمين.
والمعنى: أَنه - تعالى - بعد إهلاكه الظالمين بالطوفان، أَمر الأَرض أَن تكف عن الفوران وأَن تبتلع ما على ظهرها من الماءِ الذي جاءَ به الطوفان، دون ما فيها من مياه البحار والمحيطات، وأَمر السماءَ أن تكفَّ عن المطر، وتقلع عن إرساله مدرارًا، وظاهر الآية: أن الأرض والسماء نوديا حقيقة، وأنه - تعالى - خلق لهما إدراكا جعلهما أَهلا لتقبُّل التكليف، وَلا يبعد ذلك على قدرة الله تعالى، ويشهد له قوله تعالى: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ (١).
ومن المفسِّرين من جعل ذلك تمثيلا لكمال قدرة الله عليهما، وتمام انقيادهما لما يشاؤه فيهما، قال الإِمام البيضاوى: نوديا بما ينادى به أُولو العلم، وأُمرا بما يؤمرون به تمثيلا لكمال قدرته، وانقيادهما لما يشاءُ تكوينه فيهما، بالآمر المطاع الذي يأْمر المنقاد لحكمه، المبادر إلى امتثال أَمره، مهابة من عظمته، وخشية من أليم عقابه، انتهى.
﴿وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾:
ونقص الماء حتَّى غاب في الأَرض بعد ما صدر أمر الله للسماء بالإقلاع والأَرض بالابتلاع وتنفيذهما مشيئته فيهما، وأنجز الأَمر الذي جاءَ الطوفان من أجله، وهو هلاك أُولئك