من جدّه لآدم - عليهما السلام - فالبشرية في عهده كانت محصورة في حيِّزٍ ضيق من الأَرض أم أَن الطوفان مع كونه عقوبة لقوم نوح، فإنه كان لجميع أَنحاء الأَرض لحِكَمٍ يخص بعلمها الحكيم الخبير، ولم نجد لهذا السؤال جوابا حاسما يحمل على اعتقاد عمومه أَو خصوصه يقينا، والذى يجب اعتقاده هو عموم الطوفان للكافرين لقوله تعالى: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾. وقوله: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾.
أَما عمومه لجميع بقاع الأَرض، فليس لدينا ما ينفيه على البت والقطع، لاحتمال النصوص لهذا العموم، ولأَنه قد وجدت بعض الأَصداف والأَسماك المتحجرة في أعالى الجبال، لأَن هذه الأَشياءَ لا تتكون إِلاَّ فى البحر، فلا بد أَن تكون هذه مخلفات طوفان عمَّ الأرض، وارتفع إلى أَعالى الجبال..
سؤال
قد يقول قائل: ما ذنب الصغار الذين لم يبلغوا حد التكليف حتى يهلكهم الله بالطوفان؟
والجواب: أنه مجرد سبب لموتهم، وليس موتهم به عقوبة لهم، وأَى محذور في إِماتة مين لا ذنب له؟ وفي كل وقت يميت الله من هؤُلاء الصغار بأسباب وبغيرها عددا لا يحصى، فالخلق عباده، والملك له - وحده - يفعل فيه ما يشاءُ حسب حكمته العالية، فهو الحكيم الخبير.
﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (٤٥) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٤٦)﴾
المفردات:
﴿إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾: أَي بعض أَهلى الذين وعدتنى بنجاتهم.