وقد استفيد من هذه الآية وما بعدها ما يأتي:
أَولا: أن إخوة يوسف كانوا يعرفون تأويل الرؤى، ولذا حذره أبوه من أَن يقص رؤياه عليهم حتى لا يكيدوا له بسبب ما يفهمونه من المعاني التي تشير اليه، وهى السمو والرفعة، وأَن تكون أسرته مرءوسة له وهو رئيسهم، إلى غير ذلك من ألوان العز المنتظرة له.
ثانيا: أَن تعبير الرؤيا أَمر يقره الشرع ولا ينهى عنه وأنه حقيقة علمية يمكن الانتفاع بها، فقد أَشار والده إِلى مآل رؤياه وتعبيرها، إشارة غير خفية، إذ أفهمه أن إِخوته إِذا سمعوها أَولوها برفعة له مستقبلا وأَنهم لذلك سوف يكيدون له، كما دلت الآية الثانية على أَنه تعالى سيعلم يوسف من تأويل الأَحاديث أَي تعبيرها، وأن ذلك من تمام النعمة عليه.
وقد جاءَ في فضل الرؤيا الصادقة قوله صلى الله عليه وسلم: "لَمْ يَبْقَ بَعْدِى مِنَ المُبَشِّرَاتِ إلا الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ الصَّادِقَةُ يَرَاهَا الرَّجُل الصَّالحُ أَوْ تُرَى لَهُ".
وقال: "الرُّؤْيا جزْء مِنْ سِتَّةٍ وَأرْبَعِينَ جُزْءًا من النبُوةِ". والحديثان صحيحان وليس بلازم أَن تكون الرؤيا الصادقة جزءًا من النبوة دائما، فقد وقعت من بعض الكفار وممن لا يرضى دينه، كرؤيا ملك مصر الوثني سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، ورؤيا السجينين الوثنيين في السجن: وسيأتي في هذه السورة بيان تلك الرؤى وتأويلها، ورؤيا بختنصر التي فسرها دانيال في ذهاب ملكه، ورؤيا كسرى في ظهور النبي صلى الله عليه وسلم، وإِن كان وقوعها من هؤلاء وأَمثالهم على سبيل الندرة والقلة (١).
كما أنه ليس بلازم أَن يكون الأخبار بالغيب ناشئا عن نبوة. فقد يخبر الكاهن بخبر غيبي فيصدق، بممارسة بعض أنواع الرياضات الروحية. أو استخدام الشياطين الذين يسترقون السمع من الملأ الأعلى، ويفلتون من الشهب الراصدة التي يقذفون منها من كل جانب.