سماع من أَحد ولا قراءة في كتب، وهذا قاطع بأن الذي نبأه بها هو العليم الحكيم، تأييدًا لرسالته ودليلا على صحتها.
المعنى الثالث: لقد كان في أحداث قصة يوسف وإخوته علامات واضحات لطالبى العبرة الذين يتعظون بآيات الله تعالى، فتخبت لها قلوبهم، وتنصرف بها إلى مرضاة الله نفوسهم، فهى تحرك القلوب الراكدة وتنبه النفوس النائمة، إلى أن الملك لله، لا يجري فيه حدث إلا بمشيئته، ولا يحيق المكر السيءُ إلا بأَهله، ولا يستطيع أحد أن يضع من رفعه الله، إلى غير ذلك من العظات.
٨ - ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾:
اذكر أيها السائل عن قصتهم حين قال بعضهم لبعض: والله ليوسف وأخوه الشقيق (بنيامين) أحب إِلى أبينا منا مع أننا جماعة قوية يشتد بنا ساعده، فما باله يحبهما أكثر من حبه لنا، ويؤثر القلة على الكثرة؟ إن أبانا في ترجيحهما في المحبة علينا لفي بعد عن طريق العدل بين واضح، وخطأ في الرأى جلى بعد به عن الصواب، وفاتهم أن الفضل في الرجال ليس بالكثرة بل يسمو الروح، وصفاء النفس وغلبة الخير، وكل ذلك كان في يوسف وشقيقه بنيامين وقد اجتمع إِلى ذلك ما دلت عليه رؤيا يوسف عليه السلام من الجاه العظيم والعز الرفيع الذي ينتظره عند الله والناس، فكان ذلك كله باعثا على أن يؤثرهما يعقوب عليه السلام بمزيد من الحب، أكثر من بقية إخوتهما، فحقدوا عليهما وتآمروا على يوسف ليخلوا لهم وجه أبيهم حيث إِنهم يرونه السبب الأول في عدم اهتمامه بهم دون بنيامين، فلذا أفردوا يوسف بالتآمر على قتله، وذلك ما حكاه الله عنهم بقوله:
٩ - ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ﴾:
أي وقال بعضهم لبعض أيضًا: اقتلوا يوسف بأي وجه من وجوه القتل أو ألقوه في أرض مجهولة بعيدة عن بلادنا بحيث لا يستطيع الرجوع، فإن التغريب كالقتل في حصول المقصود مع السلامة من إثمه، فإن فعلتم واحدًا منهما.
﴿يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾: ويفرغ لكم فلا ينازعكم فيه أحد.