التفسير
١٠ - ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ﴾:
لا يزال مجلس التآمر منعقدًا، ولكنه لم يخل من وجود داع من دواعي الخير في قلوب بعض الإِخوة، إذ أراد صرفهم عن الجريمة البشعة إلى ما يحقق غرضهم من الإبعاد، ولكنه يبقى على حياة أخ صغير لا حول له ولا قوة ولابد أن الجب الذي اقترح إلقاء أخيه.
فيه كان معروفًا لهم وكان ضحل الماء حيث يبقى على حياة أخيه يوسف حتى يلتقطه بعض السيارة، فلذا قال لهم: ألقوه في غيابة الجب ولم يقل ألقوه في غيابة جب (١).
ويلاحظ أن ما قاله الهروى من أن غيابة الجب كهف فيه لا يناسب هنا، فإن إِلقاءه من أعلى الجب يوصله إلى قاعه لا إِلى كهف فيه فوق الماء كما قال، وخاض بعض المفسرين في تعيين صاحب هذا الاقتراح، فالسدى يقول هو (يهوذا) وقتادة وابن اسحاق يقولان هو رابيل، ومجاهد يقول هو شمعون، إلى غير ذلك ولم نجد سندًا لواحد من هؤلاه المفسرين، فلذا لا نستطيع تعيينه، وإنما لم يذكر واحد منهم باسمه في الآية سترًا على المسيء، وكل واحد منهم لم يخل من الإساءَة، ولكن مراتبها تتفاوت.
والمعنى: قال قائل منهم عز عليه قتل أخيه بلا ذنب جناه، لا تقتلوا يوسف قتلا مباشرًا - ولا تطرحوه في أرض يتعرض فيها للموت، ولكن ألقوه في قاع البئر المعررفة لنا بقلة مائها، فإِن فعلتم ذلك يلتقطه حيا بعض الجماعات السيارة في الصحراء حين يدلون بدلائهم فيها ليستقوا منها، فيتعلق بها فيبعدوه عن بلادنا إلى حيث يجد رزقه ويبقى حيا.
﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾:
أي إن كنتم مصرين على إبعاده عن أَبيه ليخلو لكم وجهه، فاعملوا بمشورتي، ليتحقق لكم مرادكم، ويبقى أخونا حيا فلا نأثم بقتله.

(١) نقل القرطبي عن وهب بن منبه أن هذا الجب كان على بعد ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب - عليه السلام - والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon