حيث يرتع ويلعب - أَي يتسع في الطعام فيأكل ما يشاءُ، ويلهو معهم، وتعهدوا بأنهم له حافظون، ولما أظهر لهم خوفه من إهمالهم له، حتى يأكله الذئب وهم عنه غافلون أَكدوا له أنهم سيحرسونه فهم عصبة وجماعة قوية، فلن يستطيع أن يأكله منهم، وأنه لو أكله منهم وهم كذلك خسروا سمعتهم وكرامتهم بين الناس، لأنهم لم يستطيعوا أَن يحفظوا أَخاهم وهم عصبة، فوافقهم على ذهابه معهم، بعد كل هذه التوكيدات منهم.
وقد بينت هذه الآية، أنهم نكثوا عدهم مع أبيهم وفيما يلى معناها:
فلما ذهب إخوة يوسف به من عند أَبيهم بعد ما زعموا له أنهم ليوسف ناصحون حافظون، وقد أَجمعوا في قرارة نفوسهم أن يلقوه في الجب الذي يجعله غائبا عن أَعين طالبيه - فلما ذهبوا به وهم على هذا الإِجماع. نفذوا ما أَجمعوا أمرهم عليه، وألقوه في غيابة الجب، وخانوا أَباهم ونكثوا معه عهدهم، وأوحى الله إلى يوسف عليه السلام، وهو في محنته هذه، تبشيرا له بما يؤول أمره أليه. وإِيناسا له وإزالة لوحشته، لتتخلصن مما أنت فيه يا يوسف من سوءِ الحال وضيق المجال، ولتخبرن إخوتك بما فعلوه بك، وهم لا يشعرون - وأنت تخبرهم - بأَنك أنت يوسف الذي القوه في غيابة الجب، لأنك تحدثهم وأنت في حال رفيعة المقدار جليلة الهيبة، حيث تكون على أريكة الملك وهم في ذلة الحاجة إليك، وذلك ما سيحكيه الله مجملا بقوله في هذه السورة ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾.
والمؤرخون يتحدثون عما فعله إخوته معه قبل إلقائه في الجب في شتم ولطم وضرب حتى أوشكوا أن يقتلوه، وأَن قلوبهم لم ترق لاستغاثته بكل واحد منهم وبكائه من شدة قسوتهم، بل نزعوا قميصه، ليلطخوه بالدم بعد عودتهم إلى أبيهم بلونه، وجعل يطلبه منهم ليتوارى به فلم يكترثوا بطلبه، ثم دلوه في البئر حتى بلغ نصفها فتركوه ليقع في البئر،