يا أَبانا ذهبنا في مرتعنا الذي كنا نرتع فيه، ذهبنا نتسابق في العدو والرمي، وتركنا يوسف عند متاعنا وخصائصنا التي نتمتع بها من الثياب والأزواد وغيرهما حيث المكان أَمين في ظننا - فأكله الذئب فور تركنا يوسف، وقبل أن يمضي زمن يعتاد فيه التعهد والتفقد، فنحن لم نقصر بعدم وضعه في مكان أمين. ولم نغفل عن مراقبته، بل تركناه في مأمننا، ومجتمع أَمتعتنا التي نحرص عليها، وعلى مرأَى منا، وما فارقناه إلا زمنا يسيرًا، وبيننا وبينه مسافة قصيرة فكان ما كان.
ولما كانوا يعرفون أَن إفكهم هذا لا يصدقه أبوهم قالوا عقب ذلك:
﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾:
أي وما أنت بمصدق لنا فيما قلناه ولو كنا عندك صادقين (١) لشدة محبتك ليوسف فكيف وأنت سيىء الظن بنا، غير واثق بقولنا، وقد ذكر المفسرون والمؤرخون كلامًا كثيرا في هذا اللقاء الذي حدث بينهم وبين أَبيهم، ومن ذلك أنه لما سمع بكاءهم قال: ما بكم؟ أَجرى في الغنم شيءٌ؟ قالوا: لا، قال: فأين يوسف؟ قالوا: ذهبنا نستبق فأكله الذئب، فبكى وصاح وقال: أين قميصه؟ فلما جاءوه به ألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال: تالله ما رأيت كاليوم ذئبًا أحلم من هذا، أَكل ابنى ولم يمزق عليه قميصه، وقيل إِنهم لما قالوا له أَكله الذئب خر مغشيا عليه، فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك، ونادوه فلم يجب، وروى أن يهوذا لما رأى ذلك قال: ويل لنا من ديان يوم الدين ضيعنا أخانا، وقتلنا أَبانا، فم يفق يعقوب إلا ببرد السَّحر، إِلى آخر ماقيل مما لم نجد له سندا، فلهذا لا نستطيع القطع به.