ولما كان الصبر الجميل الذي أَلزم نفسه به، لا يقوى عليه وهو رازح تحت خطبه الجسيم، فلهذا استعان عليه بربه قائلًا:
﴿وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾:
أي والله هو المطلوب منه العون لى على احتمال ما تقولونه في شأن يوسف كذبًا.
واعلم أن الوصف في اللغة ذكر الشيء بنعته، وهو قد يكون صدقًا، وقد يكون كذبًا، والمراد به هنا الثاني، كما في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ (١).
قال الآلوسي: بل قيل إن الصيغة غلبت في ذلك ونحن نقول: إن من هذا الاستعمال قوله تعالى: ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ (٢).
روى ابن عباس وغيره أن يعقوب عليه السلام لما تأمل القميص فلم يجد فيه خرقًا ولا أثرًا استدل بذلك على كذبهم وقال لهم: متى كان الذئب حكيمًا، يأكل يوسف ولا يخرق القميص؟
وروى عنه أيضًا أنه قال: كان الدم دم سخلة (٣)، وأن يعقوب لما نظر إلى القميص قال: كذبتم، لو كان الذئب أكله لخرق القميص.
﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠)﴾
المفردات:
﴿سَيَّارَةٌ﴾: جماعة تسير. ﴿وَارِدَهُمْ﴾: الوارد، هو الذي يرد الماءَ ليستقي منه، والضمير في: ﴿وَارِدَهُمْ﴾ يعود على السيارة بحسب المعنى، أي وارد القوم الذين يسيرون، ولو رجع إلى السيارة بحسب اللفظ لقيل: واردها، وكلاهما جائز لغة.
(٢) النحل من الآية: ٦٣
(٣) السخلة: ولد الشاة.