قال ابن العربى تعليقًا على هذا الخبر: عجبًا للمفسرين في اتفاقهم على جلب هذا الخبر، وليس كذلك فما نقلوه، لأن الصّدِّيق إنما ولى عمر بالتجربة في الأعمال، والمواظبة على الصحبة وطولها والاطلاع على ما شاهده منه من العلم والمنة، وليس ذلك من طريق الفراسة، وأما بنت شعيب فكانت معها العلامة البينة - على ما يأتي بيانه في (القصص) وأما أَمر العزيز فيمكن أن يجعل فراسة، لأَنه لم تكن معه علامة ظاهرة.. اهـ (١).
وإنما قال العزيز: ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ لأنه كان حصورًا لا يولد له كما قال ابن العباس، وابن إسحاق.
﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾:
أي وكما أنقذناه من إِخوته ومن الجب، وجعلنا له مكانا عظيما في قلب العزيز الذي اشتراه، حتى أمر امرأته دون سواها من خاصته بإكرام مثواه، جعلنا له مكانة رفيعة في أرض مصر، حيث عرف فيها بأخلاقه الرفيعة - إلى جانب ما أضفاه العزيز عليه من البنوة، وما أَعطاه الله إياه من الوجاهة - جعلنا له هذه المكانة في الأرض ليترتب عليها ما جرى بينه وبين امرأة العزيز قبل أن يسجن ولنعلمه بعض تأويل الأحلام، فتظهر براءَته مما نسبته امرأَة العزيز إليه، وليؤدى ذلك إلى المرتبة العليا، والرياسة العظمى كما سيأتي بيانه في رؤْيا السجينين ورؤيا ملك مصر، وكما يشير إليه قوله تعالى:
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾:
أي والله غالب على أي أَمر يريده، لا يحول أحد دون تحقيقه، فإنه إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، ويدخل في أمره تعالى شئون يوسف عليه السلام.
والضمير على هذا التأويل راجع في كلمة (أمره) إلى الله تعالى، وقيل: إنه عائد إلى يوسف، أي والله غَالب على أَمر يوسف يدبره ويحوطه ولا يكله إلى غيره، حتى لا يصل إليه كيد كائد.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾: أي الأمر كله لله تعالى، فيزعمون أن لهم من الأمر شيئا ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾.

(١) انظر الآلوسي في خبر ابن مسعود ص ١٨٥ ج ١٢ طبعة منير، والقرطبي ص ١٦٠ ج ٩ طبعة دار الكتب في تعليق ابن العربي.


الصفحة التالية
Icon