الطعام كاللحم والفاكهة، وغرضها من ذلك ما سيقع من قطعهن لأيديهن من شدة انبهارهن من جماله - كما سيأتي بيانه، وسمى اغتيابهن لها مكرًا لكونه خفية منها كمكر الماكر - وإن كان ظاهرًا لغيرها، وكان المترفون في الزمان الخالى يجلسون للطعام على الوسائد والنمارق، فإذا انتهوا منه أتموا وقتهم في الحديث وهم على وسائدهم جالسون، ولا تزال هذه الطريقة متبعة في ولائم العرب ملوكًا ورعايا، وكذا في بلاد كثيرة.
وفسر بعضهم "المتكأ" بالطعام، أخذًا من قولهم اتكأنا عند فلان - أي طعمنا عنده - قال جميل:
فظللنا بنعمة واتكأنا | وشربنا الحلال من قُلَلِه |
﴿وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ الآية.
كان الطعام بين أيدى هؤلاء النسوة المدعوات، وكن مشغولات به أَكلًا وتقطيعًا بالسكين، ولم يكن يوسف حاضرًا، فدعته قائلة: اخرج عليهن، تريد بذلك أَن يفاجئهن بجماله وهن ممسكات بالسكاكين، ولم يكن يدرى ماذا تخبئه له هذه المرأة الماكرة، فخرج عليهن فحينما رأَينه في جماله الفتَّان، وحسنه الرائق الفائق، عظمنه وتهيبن حسنه الرائع، وجرحن أَيديهن بما معهن من السكاكين، لفرط دهشتهن، وخروج الأمر عن منهاج الإرادة والاختيار، حتى لم يشعرن بما فعلن، ﴿وَقُلْنَ﴾: تنزيهًا لله - تعالى - عن العجز عن خلق هذا الجمال المثالى، ﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾ وغرضهن من ذلك التعجب من قدرته - سبحانه - على خلقه، وقلن أيضًا: ﴿مَا هَذَا﴾ الذي نراه (بَشَرًا)، فما مثله في الناس أَحد، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾، يردن بهذه العبارة وصفه بأقصى مراتب الحسن والجمال، وهكذا جرت العادة في تشبيه كل متناهٍ في الحسن بالملك، كما جرت في تشبيه كل متناهٍ في القبح بالشيطان.