وزادت على ذلك أنها مصرة على تحقيق رغبتها فيه من المخالطة لا يصرفها عنها لوم العوازل، ولا إعراض الحبيب فقالت مهددة له:
﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾:
ليعلم يوسف أنها ليست في أمرها معه على خفية ولا خيفة من أحد، فتضيق عليه الحيل، ولكى ينصحه أولئك النسوة بموافقتها، وإزاء هذا كله ماذا صنع يوسف عليه السلام - هذا ما يجيب عنه قوله تعالى:
٣٣ - ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾:
أي قال يوسف بعد هذا التهديد والوعيد: يا رب دخول السجن آثر عندى وأَسهل وأهون من المخالطة التي يدعوننى إِليها، وإِلا تصرف عنى كيدهن بتثبيتى على ما أنا عليه من العصمة والعفة، وردعهن عنى، أُجبهن إلى ما طلبنه منى بمقتضى الطبيعة البشرية، وأكن بذلك من أهل الجهالة والسفه، الذين لا يعملون بما يعلمون، فإن من لم يعنه الله على العفة والحصانة، مع هذا الإغراء والقهر قد يخونه طبعه البشرى وجبلتُه، وتتحكم فيه قوته الشهوية، واعلم أَن السجن في ذاته ليس محبوبا، كما أن إجابتها إِلى ما طلبته كذلك، فهي والسجن شرَّان غير محبوبين له، ولكن أهونهما وأقربهما إِلى نفسه هو السجن، ليتخلص به من الفاحشة الكبرى فلذا عبر في جانبه بقوله:
﴿أَحَبُّ إِلَيَّ﴾: بمعنى أسهل عليَّ - على سبيل المجاز - وقد يقال إن أهون الشَّرين يحب أَحيانا، لأنه هو الوسيلة الوحيدة لتخليصه من شرٍّ أكبر وعلى أي حال فأفعل التفضيل على غير بابه.
ومما ينبغي التنبيه إليه أنه لم يرد في النص الكريم أن النسوة المدعوات للمأدبة، دعونه إلى الاستجابة لامرأَة العزيز، ولا إِلى الفاحشة معهن، فلهذا يحمل قوله تعالى: ﴿مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ على أنهن لما تأثرن بجماله إِلى درجه أنهن قطعن أَيدين دعونه إلى مطاوعتها، بل ربما طلبن منه مثلما طلبت منه، وقيل: إن ضمير جمع النسوة في قوله: ﴿مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾